بقلم - جيهان فوزى
حينما دخلت المسلسلات التركية كل بيت عربى كانت تمثل اللغة المفقودة فى الدراما العربية، ولعل مسلسل «نور»، وبطله «مهند» بوسامته اللافتة الذى بُث على قناة MBC عام 2007، كان البداية التى أثارت الغضب والتندر بين الرجال العرب كونه أثار ضجة كبيرة واستحوذ على اهتمام السيدات لأنه عزف على وتر الحرمان والافتقاد للرومانسية التى غابت عن مجتمعاتنا العربية تحت وطأة ضغوط الحياة، وبعد الرواج الكبير الذى لاقاه المسلسل فى أنحاء الوطن العربى بدأت تنهال الدراما التركية لتحل ضيفاً على القنوات الفضائية وبالذات «MBC»، وباتت تشكل دخلاً كبيراً للإنتاج التليفزيونى التركى، بل إن القصر الذى صور فيه مسلسل نور أصبح مزاراً سياحياً للرواد العرب يحصّل من الزائر 200 دولار لدخوله، وكان مثار دهشة المرشدين السياحيين الأتراك هذا الشغف العربى لزيارة القصر الذى يطل على مضيق البسفور أكثر من زيارة الأماكن الأثرية والسياحية التركية.
فجأة ودون سابق إنذار قررت قنوات MBC التوقف عن عرض الدراما التركية دون تمهيد، وأكد المتحدث الرسمى باسم المجموعة، مازن حايك، أنه بموجب قرار شمل منابر إعلامية وقنوات تليفزيونية متعددة فى عدد من البلدان والعواصم العربية، أصبحت الدراما التركية كلياً خارج القنوات المنتمية إلى مجموعة MBC فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع بداية هذا الشهر وحتى إشعار آخر. علل «حايك» أسباب القرار لإتاحة الفرصة لإنتاج المزيد من المحتوى الدرامى الخليجى والعربى النوعى وعرضه على مختلف الشاشات العربية بأسرع وقت ممكن، غير أن السبب الحقيقى خلف هذا القرار هو انتباه المعنيين فجأة لأهمية التكاتف على كل المستويات لتحقيق المصلحة العربية العليا! ويجب توقف استعمال القوة العربية الناعمة -أى الإعلام- للترويج لصورة تركيا وجمال معالمها، وإدخالها إلى بيوت الملايين من العرب، فيما هى فى المقابل لها سياسات لا تصبّ بالضرورة فى مصلحة المنطقة العربية. من هنا فالمعاملة ينبغى أن تكون بالمثل. فلمَ علينا أن نقدّم لها خدمة مجانية وأن نُجمّل صورتها؟ على اعتبار أن وقع المحتوى الدرامى أقوى وأكثر استدامة من بعض الحملات الإعلانية والترويجية التى تعتمدها الدول.
القرار تخطى كونه مهنياً أو تجارياً فهو سياسى بامتياز! لكن لماذا الآن؟خاصة أن السياسة التركية تناصب العداء لبعض الدول العربية منذ ثورات الربيع العربى وتتدخل فى شئونها تدخلاً سافراً وكان الأولى بالدول العربية المتعاونة مع تركيا اتخاذ موقف حازم على كافة المستويات حرصاً منها على الأمن القومى العربى فور انتهاج تركيا سياسة الاستعداء والتدخل وإثارة القلاقل والاضطرابات داخل تلك الدول! صحيح أن القوى الناعمة لها تأثير كبير فى توجيه الرأى العام واتجاهات السلوك والتفكير بما فى ذلك تغييب الوعى وتزييف الحقائق، لكن مقاطعة الفن والثقافة لمعاقبة دولة على سلوكها السياسى ليس هو الحل، فقد استطاعت الدراما التركية بذكاء توظيف مزاراتها السياحية ومناطقها الأثرية لتكون مصدر دخل يعود عليها بالملايين رغم ضعف النصوص معظم الأحيان وضحالة المحتوى، لكنها كانت جاذبة للمشاهد العربى لأنها تغذى داخله كل ما يفتقده فى حياته الصعبة ربما لاعتمادها على استعراض الأماكن السياحية وسحر الطبيعة والتفنن فى مزج الرومانسية بمشاكل الواقع. أياً كانت الأسباب والدوافع فإن مثل هذه الخطوات إنما تكرس فى الوعى الجمعى ثقافة الاستبداد والانغلاق، كما أنها تسلب حق المتلقى فى أن يقرر هو ما يشاهده أو العزوف عنه، ومواقفنا من سياسات دول أو كراهيتنا لرموز لا يمنع من التداول الثقافى والمعرفى وأن نضعها ضمن مناهجنا لندرسها، فمثلاً الكاتب التنويرى الفرنسى «فولتير» تطاول على الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وتجاوز فى حق ديننا الحنيف ومع ذلك لم نقلل من تأثيره فى المعرفة والتنوير.
نقلا عن الوطن القاهرية