بقلم - جيهان فوزى
فاجأ موقف الادارة الامريكية فى مجلس الأمن إزاء القرار المقترح من الدول غير دائمة العضوية الاوساط السياسية الدولية, بالنظر إلى أن هذا القرار قد صدر بعد أيام قليلة من التصويت بالرفض على مشروع قرار أمريكى معاكس فى بنوده كافة! لما تضمنه القرار الجديد الذى قدمته الجزائر, سواء من حيث الدعوة المباشرة لوقف إطلاق النار الفورى وفك الارتباط ما بين وقف الحرب والتقدم فى المفاوضات, أو من حيث الدعوة الى ادخال المساعدات دون قيد أو شرط.
فما الذى حدث لكى تبدل الولايات المتحدة موقفها من اسرائيل بهذه السرعة؟! من الواضح أن نجد الاجابة على هذا السؤال بعد ملاحظة اتساع فجوة الخلاف بينهما, فقد كانت الخلافات بين رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكى جو بايدن فى الأسابيع الأخيرة, تتدحرج مثل كرة الثلج على خلفية رؤية كل منهما ليسير العمليات العسكرية فى غزة, وصولا إلى الاحتكاك المباشر بين تل أبيب وواشنطن, وقد تراكمت خلال الفترة القليلة الماضية جملة من المؤشرات التى تدلل على أن تصاعد الخلاف نحو صدام سياسى هادئ أصبح أمراً محتمل الوقوع, ومن هذه المؤشرات الموقف الأمريكى الذى انتقل من وضع الاشتراطات على اجتياح رفح, إلى رفض فكرة الاجتياح أصلا سواء بشروط أو بدون شروط, ومنها أيضا إعلان وزيرة الخارجية الكندية إمتناع بلادها عن تصدير الأسلحة الفتاكة إلى اسرائيل بناءا على قرار من مجلس العموم الكندى, ثم لحقها التهديدات البريطانية واليابانية باتخاذ موقف مشابه للإجراء الكندى. ومن المفهوم حتماً أن هذه الأطراف الثلاثة هى أقرب العواصم الحديثة لواشنطن, وأكثرها إنصياعا للسياسة الأمريكية على المستوى الدولى, وبالتالى فإنه من غير المقنع أن تكون هذه العواصم قد تجرأت على اتخاذ مثل هذه المواقف دون توجيه من واشنطن, وهذا يعنى أن الولايات المتحدة باتت تبدى حزماً أكثر وضوحاً تجاه الحكومة الاسرائيلية, بهدف ثنيها عن السياسة المتهورة التى يقودها نتنياهو, وبالتالى إرغامه على النزول من فوق الشجرة.
لقد كان صدور هذا القرار بمثابة صفعة على وجه حكومة الحرب الاسرائيلية, لأنه يشير أولا إلى تحول أمريكى جاد وللمرة الأولى منذ بدء الحرب تجاه سياسات اسرائيل, وثانياً لأنه يشجع العالم كله على توجيه أصبع الإتهام إلى اسرائيل ما ينذر بإجراءات عقابية فى المستقبل, وثالثاً لأنه يحفز الانقسامات الداخلية, ويشجع المعارضة على إتهام نتنياهو بعزل اسرائيل عن العالم وحتى عن أقرب حلفائها وهذا ما حدث بالفعل عندما هاجم "يائير لابيد" رئيس الوزراء السابق نتنياهو واتهمه بالمسئولية عن إتساع فجوة الخلاف بين اسرائيل والولايات المتحدة. وفى هذا السياق فان إستقالة الوزير "جدعون ساعر" من الحكومة تمثل حلقة فى سلسلة إضعاف موقف نتنياهو واستمراره فى الحكم بعد قرار مجلس الأمن, كما سنجد أيضاً تصاعد فى حراك الشارع الاسرائيلى وإحتجاجاته ضد نتنياهو, وخاصة بعد توجه ذوى الأسرى إلى مطالبة بايدن بالضغط على نتنياهو لمنح الأولوية للافراج عن أبنائهم, بعد تأكدهم من تجاهل نتياهو لهذا الملف المهم والأساسى بالنسبة لهم.