بقلم - جيهان فوزى
الاتفاق على صفقة لتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، كان قاب قوسين أو أدنى من التحقق، لولا العراقيل والعقبات التى يضعها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ومجلس الحرب لإفشال الصفقة، دأب «نتنياهو» منذ بداية الحرب على غزة فى السابع من أكتوبر الماضى، على وضع العصا فى الدواليب لإجهاض أى احتمال لتسوية سياسية قد تضع حداً للمجازر التى ترتكب يومياً ضد سكان قطاع غزة، غير آبه بالتحذيرات الأمريكية ولا النداءات الدولية ولا الأممية التى تطالب بوقف إطلاق النار، والرفض التام لاجتياح مدينة رفح الذى يهدد به نتنياهو كل يوم.
رفح هى المحطة الأخيرة لأكثر من مليون ونصف المليون نازح فلسطينى، ظلوا يتنقلون من «منطقة آمنة» لأخرى فى القطاع، والآن يستعدون لنزوح جديد فى أعقاب الحديث عن عملية عسكرية إسرائيلية وشيكة فيها، على الرغم من أن إسرائيل لم تقدم إلى الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن خطة مقنعة لضمان سلامة المدنيين، ومن هنا تعارض إدارة بايدن شن عملية عسكرية على المدينة دون خطة واضحة لاجلاء المدنيين وتأمين المأوى والمأكل والمشرب والأدوية للحفاظ على سلامتهم.
ورغم أن المدنيين يمثلون أكبر عائق أمام إسرائيل فى خططها لاجتياح رفح، وتتضاءل معها فرصة الانتصار فيها، بما يعكس حقيقة أن أى عملية عسكرية إسرائيلية فى المدينة ستتحول إلى مجزرة مؤكدة، إلا أن هذا لم يغير من قرار حكومة الحرب شيئاً، ولا تلتفت إليه بل تمضى قدماً فى تجاه تنفيذ الضربة العسكرية التى طال انتظارها وتم تأجيلها أكثر من مرة.
لم تكن رفح فى يوم من الأيام ذات أهمية خاصة بالنسبة لحماس، ومن غير المعقول أن يمثل دخول رفح تحولاً فى موازين القوى يستحق ما أثير حول هذه القضية من صخب سياسى وإعلامى على المستوى الدولى.
هنا يطرح السؤال الجوهرى: ما الذى يريده نتنياهو من وراء التهديد باقتحام رفح والتأكيد مراراً أن حكومته ماضية فى التخطيط لهذا الاجتياح حتى وإن عارضته الإدارة الأمريكية فى ذلك؟ الجواب قد يكون مرتبطاً بالتكتيك الرئيسى الذى يتبعه نتنياهو والمتمثل بخلاصة مفادها لا وقف للحرب دون تسجيل انتصار ما يدرأ به عن نفسه سيل الاتهامات اللاحقة للحرب بالإهمال وسوء الإدارة والتقصير وتجاهل حياة الأسرى الإسرائيليين، ودفع الجيش إلى هجوم برى لا أهداف واضحة له ولا أفق سياسياً يعجّل الهجوم ويبرر نتائجه.
لقد ورط نتنياهو حكومته وجيشه فى سلسلة ثقيلة من الادعاءات المشكوك فى صحتها، فهو لطالما أعلن أنه قد فكك قوة حماس فى الشمال وفى غزة والوسطى وخان يونس، بحيث لا يستطيع الآن الاستمرار فى الحرب هناك لأن هذا قد يكشف زيف ادعاءاته، ولم يتبق أمامه سوى اختلاق هدف جديد يبرر له الاستمرار فى الحرب شهراً أو أكثر، على أمل أن مواصلة قصف المدنيين وقتلهم وتجويعهم، سيرغم حماس فى النهاية على القبول بالشروط الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، وإطلاق الأسرى الإسرائيليين لديها بأقل ثمن، ما يعطى نتنياهو الفرصة لإنقاذ نفسه وحكومته من السقوط المحتوم فى حال لم يتحقق ذلك. بالنسبة للمسئولين والمراقبين فقد تحولت الحرب إلى عملية ابتزاز وحشية لا تحقق أى إنجاز عسكرى ذى وزن، سوى وقوع المزيد من الضحايا الفلسطينيين الأبرياء الذين أصبحوا جوهر هذا الابتزاز.
لذا فإن الهدف الإسرائيلى الاستراتيجى هو الاستمرار فى الحرب، أما الهدف التكتيكى فهو متغير باستمرار، فتارة يكون جباليا، وتارة أخرى يكون مستشفى الشفاء، ثم مستشفى ناصر، ثم حى الأمل، وهكذا تمضى الحرب وتتنقل من هدف إلى آخر وصولاً إلى الهدف الأخير وهو رفح.
إن موقف الإدارة الأمريكية المعارض لاجتياح رفح لا يستند إلى الخشية من الآثار الإنسانية الكارثية الناجمة عنه فقط، بل يستند أيضاً إلى إدراك موثق بمعلومات دقيقة بأن هذا الاجتياح لن يحقق أى انتصار، يعادل حجم الخسارة والعزلة التى ستلحق بإسرائيل إذا ما نفذت هذه العملية، وهذا يعنى أن الإدارة الأمريكية تعرف على وجه اليقين أن رفح تخلو من أى أهداف حقيقية يمكن أن تغير من موازين القوى، وتدرك بالتالى أن الهدف الوحيد من وراء هذا الاجتياح لن يكون سوى إطالة أمد الحرب.