بقلم - جيهان فوزى
ماذا ينتظر قطاع غزة من تحديات بعد الحرب؟ سؤال يبدو معقداً فى ظل الحرب الدائرة التى لم تحط أوزارها بعد، والمتواصلة منذ أكثر من نصف عام، ففى أحدث تقرير دولى يشير إلى أن قطاع غزة بات منطقة منكوبة غير قابلة للحياة، فإزالة الأنقاض ومخلفات الحرب وإعادة الإعمار، تحتاج إلى سنوات إذ إن حجم الدمار الهائل الذى خلفته الحرب، يفوق دمار مدينة برلين الألمانية فى الحرب العالمية الثانية والتى استمرت خمس سنوات.
الملفات الصعبة والشائكة التى تنتظر غزة فى اليوم التالى من الحرب، لا تتعلق بإعادة الإعمار فقط، لكنها تحتاج إلى حلول جذرية لمأساة الفلسطينيين الممتدة منذ نحو 75 عاماً، ويعانى سكان قطاع غزة على نحو خاص من تبعاتها، بفرض الحصار والعزلة والانقسام والإهمال.
أحد هذه الملفات التى لا تقل أهمية عن إعادة الإعمار، هو التأثيرات النفسية الخطيرة للحرب الدائرة فى غزة على سكانها، وهناك تقارير عديدة تشير إلى المواطنين الذين يعانون أعراضاً نفسية متعددة من آثار الصدمة والفقدان، خاصة هؤلاء الذين فقدوا أعزاء من عائلاتهم خلال عمليات القصف الإسرائيلية. ومن المؤكد أن الحرب الدائرة فى غزة، ستكون لها آثار نفسية هائلة ومؤلمة على سكان القطاع، وهذه الآثار ستمتد لفترة طويلة مع هؤلاء حتى بعد انتهاء العمليات العسكرية.
الوضع الحالى فى غزة من فقدان للمأوى والمأكل والحياة الكريمة يجعل من توافر الصحة النفسية نوعاً من الرفاهية، إذ إن الصحة النفسية تتطلب بالأساس حالة من الاستقرار وتوافر حياة هادئة، حيث تشير التقارير إلى أن التداعيات النفسية للحرب فى غزة امتدت من المواطنين العاديين إلى الطواقم الطبية والعاملين فى المجال الصحى، إذ إن هؤلاء يعانون بشدة من المشاهد المروعة التى يرونها خلال أدائهم لعملهم، مثل مشاهد الدماء والأشلاء، ويمثل الأطفال الشريحة الأكثر معاناة من ضمن سكان غزة، فقد أظهر العديد من المقاطع المصورة كثيرين منهم وهم يرتعدون خوفاً بعد تعرض منازل أهاليهم للقصف، ويرى مختصون ومعالجون نفسيون أن آثار الصدمة على الأطفال قد تستمر وقتاً طويلاً قبل أن تظهر على حياتهم.
وبينما تسعى أطراف عربية ودولية للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة، أملاً فى أن يمنح المدنيين هناك بعضاً من الأمان، تشكل الذخائر غير المنفجرة العالقة فى أرض القطاع وحطام مبانيه أزمة شديدة الخطورة، فقد تحدث منوجو بيرش، رئيس دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام UNMASS فى فلسطين، عن حجم أزمة القنابل غير المنفجرة فى غزة جراء الحرب الدائرة قائلاً: «لم نرَ شيئاً كهذا منذ آخر حرب كبرى فى أوروبا»؟! فقطاع غزة ليست به حقول ألغام، لكن به كميات كبيرة من الذخائر غير المنفجرة التى قد تحتاج إلى سنوات لإزالتها بطريقة آمنة بالإضافة إلى مليارات الدولارات، حيث تم إسقاط 45 ألف قنبلة خلال التسعة والثمانين يوماً الأولى من الحرب أى نحو 505 قنابل يومياً. فما بالنا باليوم الخامس بعد المائتين؟! وبحسب «واشنطن بوست»، فإن العديد من القنابل التى يعتقد أنها استخدمت فى غزة مصممة بحيث لا تنفجر عند ملامستها، لكنّ بها فتيلاً يسمح لها بالانفجار تحت الأرض أو داخل المبانى، وقد يكون من الصعب تحديد موقع مثل هذه الذخائر، كما أن العديد من الأسلحة التى يقول المحللون إنها استخدمت فى غزة، بما فى ذلك الفوسفور الأبيض، يمكن أن تتسرب إلى إمدادات المياه.
لقد شردت الحرب ما يقدر بنحو 80% من سكان غزة، وإعادة هؤلاء النازحين إلى أحيائهم ستكون مهمة شديدة الصعوبة، إذ تمت تسوية المبانى بالأرض أو أصبحت غير سليمة من الناحية الهيكلية، كما دمرت البنية التحتية بما فى ذلك موارد المياه ومنشآت الصرف الصحى، والخدمات الصحية.
قطاع غزة مقبل على تحديات قاسية وشديدة التعقيد، وهو بحاجة ملحة إلى تدخل أممى ودولى سريع لإعادة استنهاضه من جديد.