توقيت القاهرة المحلي 10:28:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سلاماً عليكِ يا غزة

  مصر اليوم -

سلاماً عليكِ يا غزة

بقلم - جيهان فوزى

طوال السنوات الماضية التى كان فيها قطاع غزة محاصراً معزولاً لا يلتفت إليه أحد، لم نفكر أنه سيأتى اليوم الذى تصبح فيه هذه البقعة الصغيرة المنزوية فى أحضان البؤس والفقر والحصار والاحتلال الغاشم، لتكون من أشهر بقاع الأرض. ويتردد اسمها فى كل مكان شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، فقد أصبحت غزة «أيقونة» وذات شهرة عالمية يتظاهر من أجلها طلاب الجامعات والنشطاء والسياسيون والمواطنون العاديون فى معظم دول العالم، تقديراً وإعجاباً بصمود أبنائها الأسطورى فى وجه آلة الحرب الوحشية التى يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلى منذ نحو سبعة أشهر قتل فيها البشر والشجر والحجر لم يُبق على شىء، ومع ذلك سجل أهلها قصصاً بطولية مذهلة فى الصمود والصبر والتحمل والاستبسال، وذاقوا العذاب ألواناً بالمعنى الحرفى للكلمة، حتى إن الحجر نطق، وانحنى إجلالاً لصمود أهلها الأسطورى، أمام بطش وفاشية الاحتلال.

«شكراً نتنياهو» فقد عرفّت العالم دون أن تقصد مَن هم الفلسطينيون؟ وكيف يضحى الفلسطينى ويدفع ثمن الحرية التى ينشدها منذ 75 عاماً، فى وقت بائس ظل العالم فيه مضللاً، متجاهلاً أطول قضية احتلال عرفها التاريخ، دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن حل لشعبها المشرد، الذى ذاق كل أنواع اللجوء والشتات.

هذا ليس حظ غزة، بل ربما هو قدرها الذى لا فكاك لها منه منذ نشوء القضية الفلسطينية وبعد الحرب والتقسيم، ووسط شبه الضياع الذى ساد الهوية والقضية، بدأت غزة قبل أى تجمع سكانى فلسطينى آخر، تتلمس الطريق نحو استعادة الهوية والتقاط زمام المبادرة والكفاح من أجل الحرية وتقرير المصير، وعلى هذا لم يكن من المستغرب أن تكون بدايات الحركة الكفاحية الفلسطينية، قد نشأت فى غزة أولاً، ونلاحظ أن حركة فتح قد نشأت من بين أبناء غزة ومن بين طلابها تحديداً، إضافة إلى معلميها الذين انتشروا بحثاً عن العمل فى بعض البلدان العربية، وفى الكويت على وجه التحديد. وينطبق الأمر نفسه على حركة حماس والجهاد الإسلامى، كما يجب أن نلاحظ أن الانتفاضة الأولى قد اندلعت شرارتها من غزة ومن جباليا تحديداً، كذلك كانت الانتفاضة الثانية التى أشعلتها غزة وانتشر لهيبها فى كل الأراضى الفلسطينية.

إذن، فإن هذه الرقعة الجغرافية المحدودة والضيقة والمحاصرة، كانت هى مَن حمل شعلة التحرر الوطنى وكانت السباقة إلى المقاومة بكل أشكالها، وكان لها الفضل فى تأصيل الهوية الفلسطينية وحمايتها من التماهى مع أى هوية أخرى أيديولوجية أو قومية أو دينية، ولهذا بالتأكيد أسبابه التى يمكن تلخيصها بخصوصية مجتمع غزة المشكل فى أغلبيته من لاجئى عام 1948 ونازحى عام 1967، وما اتصفت به حياتهم من فقر مدقع وحرمان وملاحقة بالسلاح والاعتقال من جانب قوات الاحتلال، خاصة فى الأعوام ما بين (48- 67).

أولئك الهاربون إلى غزة كانوا يرون بأم أعينهم أراضيهم وبيوتهم التى فروا منها، تُحتل وتُغتصب من مستوطنين جاءوا من مشارق الأرض ومغاربها. لقد صهرت غزة كل الدوافع الوطنية والإنسانية والدينية فى أفئدة الغزيين لتحولهم من تجمع بشرى إلى كتلة مقاتلة، دقت أول مسمار فى نعش الاحتلال، وتحقق أول انتصار لها عام 2005، بإرغام أرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلى حينها، على تفكيك المستوطنات اللقيطة فيها والانسحاب بلا شروط من غزة، فقدمت بذلك المثل والنموذج لكامل أبناء الشعب الفلسطينى وقواه الحية. وها هى الآن تقدم المثل والنموذج للعالم كله الذى بدأ بصحوة غير مسبوقة تحت وطأة صورة شديدة التناقض، فيها من الإجرام والبطش، بقدر ما فيها من الصمود والعزيمة والصبر، فكان وقع تلك الصورة على العالم بمثابة هزة عنيفة حركت مشاعر البشر، ودفعت بهم إلى الميادين وساحات الجامعات ومواقع التواصل الاجتماعى والصراخ بأعلى الصوت لإدانة الحرب والمطالبة بوقفها فوراً.

ذلك هو قدر غزة، أن يبدأ من أزقتها ومخيماتها الضيقة رسم مسار آخر للتاريخ على هذه الأرض، لا يقرره الطغاة ولا يحدده المستعمرون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سلاماً عليكِ يا غزة سلاماً عليكِ يا غزة



GMT 08:07 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 08:06 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 08:05 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

GMT 08:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غول الترمبية والإعلام الأميركي... مرة أخرى

GMT 08:01 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الصراع في سوريا وحول سوريا

GMT 08:00 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

سوريا واللحظة الحرجة!

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ترمب ــ «بريكس»... وعصر القوى المتوسطة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:25 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

منة شلبي توجّه رسالة شكر لجمهور السعودية بعد نجاح مسرحيتها
  مصر اليوم - منة شلبي توجّه رسالة شكر لجمهور السعودية بعد نجاح مسرحيتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon