توقيت القاهرة المحلي 19:00:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سلاماً عليكِ يا غزة

  مصر اليوم -

سلاماً عليكِ يا غزة

بقلم - جيهان فوزى

طوال السنوات الماضية التى كان فيها قطاع غزة محاصراً معزولاً لا يلتفت إليه أحد، لم نفكر أنه سيأتى اليوم الذى تصبح فيه هذه البقعة الصغيرة المنزوية فى أحضان البؤس والفقر والحصار والاحتلال الغاشم، لتكون من أشهر بقاع الأرض. ويتردد اسمها فى كل مكان شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، فقد أصبحت غزة «أيقونة» وذات شهرة عالمية يتظاهر من أجلها طلاب الجامعات والنشطاء والسياسيون والمواطنون العاديون فى معظم دول العالم، تقديراً وإعجاباً بصمود أبنائها الأسطورى فى وجه آلة الحرب الوحشية التى يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلى منذ نحو سبعة أشهر قتل فيها البشر والشجر والحجر لم يُبق على شىء، ومع ذلك سجل أهلها قصصاً بطولية مذهلة فى الصمود والصبر والتحمل والاستبسال، وذاقوا العذاب ألواناً بالمعنى الحرفى للكلمة، حتى إن الحجر نطق، وانحنى إجلالاً لصمود أهلها الأسطورى، أمام بطش وفاشية الاحتلال.

«شكراً نتنياهو» فقد عرفّت العالم دون أن تقصد مَن هم الفلسطينيون؟ وكيف يضحى الفلسطينى ويدفع ثمن الحرية التى ينشدها منذ 75 عاماً، فى وقت بائس ظل العالم فيه مضللاً، متجاهلاً أطول قضية احتلال عرفها التاريخ، دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن حل لشعبها المشرد، الذى ذاق كل أنواع اللجوء والشتات.

هذا ليس حظ غزة، بل ربما هو قدرها الذى لا فكاك لها منه منذ نشوء القضية الفلسطينية وبعد الحرب والتقسيم، ووسط شبه الضياع الذى ساد الهوية والقضية، بدأت غزة قبل أى تجمع سكانى فلسطينى آخر، تتلمس الطريق نحو استعادة الهوية والتقاط زمام المبادرة والكفاح من أجل الحرية وتقرير المصير، وعلى هذا لم يكن من المستغرب أن تكون بدايات الحركة الكفاحية الفلسطينية، قد نشأت فى غزة أولاً، ونلاحظ أن حركة فتح قد نشأت من بين أبناء غزة ومن بين طلابها تحديداً، إضافة إلى معلميها الذين انتشروا بحثاً عن العمل فى بعض البلدان العربية، وفى الكويت على وجه التحديد. وينطبق الأمر نفسه على حركة حماس والجهاد الإسلامى، كما يجب أن نلاحظ أن الانتفاضة الأولى قد اندلعت شرارتها من غزة ومن جباليا تحديداً، كذلك كانت الانتفاضة الثانية التى أشعلتها غزة وانتشر لهيبها فى كل الأراضى الفلسطينية.

إذن، فإن هذه الرقعة الجغرافية المحدودة والضيقة والمحاصرة، كانت هى مَن حمل شعلة التحرر الوطنى وكانت السباقة إلى المقاومة بكل أشكالها، وكان لها الفضل فى تأصيل الهوية الفلسطينية وحمايتها من التماهى مع أى هوية أخرى أيديولوجية أو قومية أو دينية، ولهذا بالتأكيد أسبابه التى يمكن تلخيصها بخصوصية مجتمع غزة المشكل فى أغلبيته من لاجئى عام 1948 ونازحى عام 1967، وما اتصفت به حياتهم من فقر مدقع وحرمان وملاحقة بالسلاح والاعتقال من جانب قوات الاحتلال، خاصة فى الأعوام ما بين (48- 67).

أولئك الهاربون إلى غزة كانوا يرون بأم أعينهم أراضيهم وبيوتهم التى فروا منها، تُحتل وتُغتصب من مستوطنين جاءوا من مشارق الأرض ومغاربها. لقد صهرت غزة كل الدوافع الوطنية والإنسانية والدينية فى أفئدة الغزيين لتحولهم من تجمع بشرى إلى كتلة مقاتلة، دقت أول مسمار فى نعش الاحتلال، وتحقق أول انتصار لها عام 2005، بإرغام أرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلى حينها، على تفكيك المستوطنات اللقيطة فيها والانسحاب بلا شروط من غزة، فقدمت بذلك المثل والنموذج لكامل أبناء الشعب الفلسطينى وقواه الحية. وها هى الآن تقدم المثل والنموذج للعالم كله الذى بدأ بصحوة غير مسبوقة تحت وطأة صورة شديدة التناقض، فيها من الإجرام والبطش، بقدر ما فيها من الصمود والعزيمة والصبر، فكان وقع تلك الصورة على العالم بمثابة هزة عنيفة حركت مشاعر البشر، ودفعت بهم إلى الميادين وساحات الجامعات ومواقع التواصل الاجتماعى والصراخ بأعلى الصوت لإدانة الحرب والمطالبة بوقفها فوراً.

ذلك هو قدر غزة، أن يبدأ من أزقتها ومخيماتها الضيقة رسم مسار آخر للتاريخ على هذه الأرض، لا يقرره الطغاة ولا يحدده المستعمرون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سلاماً عليكِ يا غزة سلاماً عليكِ يا غزة



GMT 09:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 09:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 09:15 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ما بعد وقف إطلاق النار؟

GMT 09:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ليس نصراً ولا هزيمة إنما دروس للمستقبل

GMT 08:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 08:44 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
  مصر اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 11:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:28 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله
  مصر اليوم - قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة
  مصر اليوم - سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 19:42 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

قلق في "أرامكو" بسبب هجمات الخليج وارتفاع سعر النفط

GMT 02:08 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مي عمر تكشف عن حقيقة علمها بمقلب "رامز في الشلال"

GMT 07:15 2019 الثلاثاء ,19 شباط / فبراير

كشف غموض وفاة 22 عالمًا بعد فتح مقبرة توت عنخ آمون

GMT 10:06 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

رسالة حسن الرداد إلى محمد رمضان بعد أغنية "نمبر وان"

GMT 22:21 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

روبرتو فيرمينو يُجدد شكره لزميله "محمد صلاح"

GMT 06:52 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

"مشاهير حول العالم راحوا ضحية "الالتهاب الرئوي

GMT 11:08 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

تعرَّف على أنواع السيارات الأكثر مبيعًا في عام 2018

GMT 15:10 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

علامة "كايلي" و"كاندال" تطلق حقائب زهيدة الثمن

GMT 14:17 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على أفكار إضاءة رائعة لحفلة زفافك الخارجية

GMT 10:13 2018 الجمعة ,07 أيلول / سبتمبر

اكتشفي طرق مختلفة لتحضير الفول
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon