بقلم - جيهان فوزى
لا تعبأ إسرائيل بأى قوانين دولية أو قرارات أممية تُتخذ ضد سياستها العدوانية بحق الشعب الفلسطينى، وتعتبر نفسها فوق القانون بكل استعلاء وصفاقة وازدراء وعجرفة، لا يهمها ما يصدر من قرارات ضدها، تردع جموح الانتقام وشهوة القتل والتدمير، طالما أن هناك مَن يدافع عنها بكل الجنون الذى تمارسه، فيجد لها المبررات، ويمنع عنها العقوبات الدولية، ويفشل أى قرارات تدينها أو تحاول ردعها وتقويضها، فالولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها يقفون بالمرصاد لأى ضرر قد تتعرض له إسرائيل ومن أى جهة كانت.
يوم الجمعة الماضي أصدرت محكمة العدل الدولية قراراً يقضى بإلزام إسرائيل بوقف هجومها العسكرى على رفح فوراً، لما ينطوى عليه ذلك من مخاطر على السكان وما يشكله من تهديد مباشر على حياة المدنيين التى تكتظ بهم المدينة، فسارعت إسرائيل بالرد بتكثيف الغارات فى وسط المدينة والقصف العنيف بسلسلة من الأحزمة النارية التى حولت سماء رفح إلى ضباب أسود، ارتكبت خلالها عدداً من المجازر، راح ضحيتها عشرات المدنيين من الأطفال والنساء، فى مخالفة صريحة لما وعد به «نتنياهو» بشن عملية نظيفة لن تُسقط مدنيين فى حال دخول جيش الاحتلال الإسرائيلى مدينة رفح.
إسرائيل بذلك تُخرج لسانها لمحكمة العدل الدولية لتؤكد أنها فوق القانون، ولن تلتزم بتنفيذ أى قرار يصدر عنها. وهذا يعني فى نظر القانون الدولى أن إسرائيل دولة مارقة، لا تحترم القانون الدولى ولا محكمة العدل الدولية، أرفع محكمة فى العالم والتى أنشئت أصلاً على يد الغرب من أجل العدالة وعدم إفلات الجناة من العقاب. وحتى لو واتت الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيرش» الشجاعة وحمل قرار محكمة العدل الدولية إلى مجلس الأمن بهدف استصدار قرار يلزم إسرائيل، فإنه من غير المتوقع أن تستجيب حكومة نتنياهو، هذا إذا سمحت الإدارة الأمريكية بتمرير مثل هذا القرار دون إشهار «الفيتو» فى وجهه.
وما يزيد الأمور سوءاً استعداد الكونجرس الأمريكى لمناقشة قرار يقضى بفرض عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية بعد اتهامهم باللاسامية والتحيز ضد إسرائيل.
أما على الجانب الآخر من الأطلسى، فإن العواصم الأوروبية الأهم مثل لندن وباريس وبرلين ما زالت تتواطأ مع إسرائيل علناً وسراً، وتلتزم الصمت عندما يتعلق الأمر بسلوك إجرامى إسرائيلى يشكل فضيحة دولية إذا ما ارتكب من طرف آخر غير إسرائيل. والمهم هنا أن الاطمئنان إلى قوة ردع دولية قانونية ضد السلوك الإسرائيلى هو أمر غير وارد، خاصة إن لم يترافق مع ضغوط إسرائيلية داخلية، وضغوط سياسية دولية من الخارج، وعلى الأرجح فإن «نتنياهو» قد تقدم بمبادرته الجديدة للعودة إلى المفاوضات بهدف امتصاص الجبهتين المتصاعدتين ضده داخل إسرائيل وخارجها، مع أن هناك مَن يعتقد أن هذه المبادرة ليست مناورة بقدر ما هى مخرج من أزمة خانقة تعيشها إسرائيل بفعل انعدام أى إنجاز للحرب، مقابل التصدع الحاصل فى مجلس الحرب الإسرائيلى، والشرخ الذى يزداد عمقاً بين الشارع والحكومة.
وفى كل الأحوال، فإنه من غير المستبعد أن تبدأ المفاوضات خلال الأيام المقبلة دون تعليق آمال كبيرة عليها، لكنها ستكون مختلفة عن الجولات السابقة، من حيث أهميتها فى توفير الظروف الملائمة لاستقرار الحكم فى إسرائيل أو لسقوطه على حد سواء، فإذا ما اكتشف الثلاثى جانتس وجالانت وإيزنكوت ومعهم الرأى العام الإسرائيلى أن «نتنياهو» يستخدم المفاوضات للمناورة لكسب مزيد من الوقت، فتلك ستكون نهاية مجلس الحرب وعزلة «نتنياهو» الكاملة واشتعال الغضب الشعبى المتزايد، واندفاعه إلى إسقاط الحكومة برمتها.
أما إذا شهدت المفاوضات تقدماً جدياً وموثوقاً فإن ذلك سيعطى «نتنياهو» فرصة ثمينة لإعادة تنظيم تحالفاته الداخلية، وتهدئة الشارع وامتصاص النقمة العالمية، حتى إن كان ذلك إلى حين تشكيل لجان التحقيق المناسبة فى أحداث 7 أكتوبر ومجريات الحرب، ويلاحظ المراقبون أن بينى جانتس قد تقدم إلى مجلس الحرب بمشروع قرار لتشكيل لجنة تحقيق بشأن 7 أكتوبر لكنه أضاف إلى اختصاصاتها التحقيق فى مجرى العمليات الإسرائيلية وجدواها وفاعليتها خلال الأشهر الثمانية الماضية وتحديد أسباب العجز عن تحقيق الأهداف المرسومة لها، على الرغم من كل الإمكانيات الهائلة التى وظفت فى الحرب.