توقيت القاهرة المحلي 10:08:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عائدات الضرائب المحتجَزة تهدد بانهيار السلطة الفلسطينية

  مصر اليوم -

عائدات الضرائب المحتجَزة تهدد بانهيار السلطة الفلسطينية

بقلم - جيهان فوزى

تسهم إسرائيل، ومنذ وقت طويل، بسياسات التضييق والحصار على الفلسطينيين، فى العمل على إفشال السلطة الفلسطينية سياسياً واقتصادياً، وتعمل بشكل ممنهج كى تصل إلى مرحلة الانهيار؛ حتى لا يكون أمامها أى فرصة للوصول إلى حل الدولتين، الذى بدأ يطفو مرة أخرى على سطح المداولات السياسية فى المجتمع الدولى، والمطالبات الملحة بتحقيقه؛ لأنه بات الأمل الوحيد لإنهاء الصراع القائم بين الفلسطينيين وإسرائيل بعد أن توارى كثيراً فى الفترة الماضية وحُذف من أجندة الاهتمام الدولى والأمريكى، لكنه عاد مؤخراً من جديد ليبرز فى تصريحات المسئولين والقادة، خصوصاً بعد السابع من أكتوبر والحرب على غزة، وما تلاها من أزمات وجودية تتعلق بكيفية حل القضية الفلسطينية ذات أطول صراع شهده التاريخ بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى.

لقد نشر الجهاز المركزى الفلسطينى للإحصاء، مؤخراً، تقريراً يشير إلى انكماشات حادة وخطيرة فى كل المؤشرات الإحصائية المتعلقة بالتبدلات الطارئة على الاقتصاد الفلسطينى من 2022 و2023 والنصف الأول من عام 2024، ولعل أهم ما ورد فى التقرير الصادر يوم 12 يونيو من هذا الشهر، هو تضاعف نسبة البطالة فى الضفة الغربية لتصل إلى 25%، وانكماش اقتصادى يصل إلى 37%، وتراجع فى القدرة الشرائية يتعدى 56%، وتراجع فى حركة الاستيراد والتصدير بنسبة تتجاوز 30%، وتضخم فى عجز الموازنة وصل إلى 52%، وقد انعكست هذه الأرقام بشكل شديد الوضوح على النشاط الاقتصادى العام والأداء الحكومى وقدرات القطاع الخاص، ما تسبب فى مشكلات جوهرية أدت إلى إغلاق ما يقارب ربع المنشآت الاقتصادية فى الضفة الغربية، وعزوف الموظفين عن الالتزام بالحضور إلى أماكن عملهم، وامتناع شريحة كبيرة من المواطنين عن تسديد ما عليهم من التزامات متعلقة بإيجارات المحال التجارية والشقق السكنية وأقساط المدارس والجامعات وغيرها.

لكن الخطير فى الأمر أن هذه المؤشرات آخذة فى التصاعد، ما دفع السلطة الفلسطينية إلى تنبيه المجتمع الدولى بأنها باتت أقرب من أى وقت مضى إلى التفكك والانهيار، فقد نقل موقع (أكسيوس) الأمريكى، عن مسئول أمريكى لم يسمه، قوله إن إدارة الرئيس جو بايدن تشعر «بقلق» من مغبة انهيار السلطة الفلسطينية إذا لم تُحوَّل إليها عائدات الضرائب قريباً. وأشار إلى أن الولايات المتحدة كانت غاضبة من الخطوة التى اتخذها وزير المالية الإسرائيلى المتطرف، بتسلئيل سموتريش، بتجميد أموال الفلسطينيين، حتى إن «بلينكن» طرح القضية فى اجتماعه مع «نتنياهو» فى 10 يونيو الجارى، وضغط عليه لحلها فى أقرب وقت ممكن، دون أن يحصل على أى وعود أو رد واضح من «نتنياهو»!.

قد يعتقد البعض أن الأمر متعلق برد فعل إسرائيلى انتقامى بعد ما حدث فى 7 من أكتوبر العام الماضى، لكن الحقيقة هى غير ذلك تماماً. لقد بدأت الإجراءات الاقتصادية الإسرائيلية الخانقة للسلطة الفلسطينية تزامناً مع تشكيل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التى يقودها «نتنياهو»؛ فبدءاً من أواخر عام 2022 بدأت السلطات الإسرائيلية باقتطاع جزء من الضرائب الفلسطينية المستحقة، يتجاوز 45 مليون دولار شهرياً، وهو الجزء الذى كانت تخصصه السلطة الفلسطينية لعائلات الأسرى والشهداء فى الضفة وغزة، وقد انعكس هذا فوراً على شريحة الموظفين عندما بدأت السلطة باقتطاع هذه النسبة المصادرة من رواتبهم، ولم يعد بوسعها أن تصرف لهم أكثر من 80% منها، أما بعد السابع من أكتوبر، وتحديداً فى نهاية الشهر نفسه، فقد باشرت السلطات الإسرائيلية اقتطاع حصة غزة من موازنة السلطة الفلسطينية والتى تبلغ 46% من هذه الموازنة، ما اضطر السلطة الفلسطينية إلى توزيع حصة الضفة الغربية على الضفة وغزة معاً، ما أدى إلى إنقاص رواتب الموظفين بنحو 65%. وبدءاً من شهر مارس هذا العام اتخذ وزير المالية الإسرائيلى «سموتريتش» قراره الأهوج بالامتناع عن تحويل عائدات السلطة بالكامل، ولم يكن أمام السلطة، للحفاظ على الحد الأدنى من القدرة على أداء مهامها، سوى الاعتماد على ما تجنيه من ضرائب محلية لتصل رواتب الموظفين إلى أدنى مستوى، تعادل 40% من قيمتها الأصلية، ومع تراجع الأنشطة الاقتصادية بوجه عام، فإن حجم الضرائب المحلية قد بدأ فى التراجع الحاد، ما يعنى أن السلطة لن تتمكن على المدى القريب وخلال الشهور القادمة من دفع أى جزء من الرواتب، وهذا سيؤدى حتماً إلى تفكك السلطة وانهيارها.

تبرر سلطات الاحتلال الإسرائيلى إجراءاتها العقابية الاقتصادية والمالية أحياناً بأن السلطة الفلسطينية رفضت إدانة هجوم السابع من أكتوبر، وأحياناً أخرى بأنها رد على قرار بعض الدول الأوروبية الاعتراف بدولة فلسطين، وأحياناً ثالثة بأنها رد على تحرك السلطة الفلسطينية باتجاه محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية! وفى الحقيقة، فإن كل تلك التبريرات لا تخفى حقيقة أن حكومة نتنياهو المتشددة تضمر استراتيجية ثابتة، مآلها السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، والشروع عملياً فى ضم أجزاء واسعة منها إلى إسرائيل، بما تجهز نهائياً على فكرة حل الدولتين، وما يؤكد هذا الاتجاه الاستراتيجى لدى الحكومة الإسرائيلية هو التوسع الاستيطانى النامى كالسرطان فى الجسد الفلسطينى ويتوغل فى عموم الضفة الغربية، وعلى نحو خاص فى شمالها ووسطها لهدفين واضحين: أولهما الوصول إلى تغيير ديموغرافى فى الشمال، خاصة حول نابلس وجنين وطول كرم، بهدف التصدى للنشاط المقاوم المتصاعد فى هذه المناطق، وثانيهما العمل فعلياً على فصل شمال الضفة عن جنوبها، بتنفيذ مشروع E1 الذى يربط مستوطنات القدس بمستوطنات غور الأردن، وهذا يعنى أن الأمر يتعدى رد الفعل الانتقامى إلى استغلال حدث السابع من أكتوبر لتنفيذ استراتيجية معدة مسبقاً للسيطرة على الضفة والإجهاز على أى احتمال لقيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967.

تستشعر الولايات المتحدة وأوروبا حجم الخطر الذى يمثله السلوك الإسرائيلى، وتدرك يقيناً أن هذا المشروع الذى تبنته واستثمرت فيه المليارات خلال الأعوام ما بين 1993-2024 قد بات فى مهب الريح، ومع اقتناعها بأن هذا سيشكل خطراً مميتاً على السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط، فإنها مع ذلك لم تجد الوسيلة المناسبة حتى الآن لثنى إسرائيل عن هذا السلوك وإقناعها بالتراجع عما تخطط له. لقد بلغ حجم الأموال المقتطعة من عائدات الضرائب الفلسطينية ما يزيد على المليار و105 ملايين دولار، وهو بالقياس إلى الموازنة المحدودة للسلطة مبلغ ضخم، وإذا ما استمرت إسرائيل بحجب عائدات الضرائب، فإن انهيار السلطة الفلسطينية سيصبح واقعاً فى وقت قريب للغاية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عائدات الضرائب المحتجَزة تهدد بانهيار السلطة الفلسطينية عائدات الضرائب المحتجَزة تهدد بانهيار السلطة الفلسطينية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon