توقيت القاهرة المحلي 12:48:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عائدات الضرائب المحتجَزة تهدد بانهيار السلطة الفلسطينية

  مصر اليوم -

عائدات الضرائب المحتجَزة تهدد بانهيار السلطة الفلسطينية

بقلم - جيهان فوزى

تسهم إسرائيل، ومنذ وقت طويل، بسياسات التضييق والحصار على الفلسطينيين، فى العمل على إفشال السلطة الفلسطينية سياسياً واقتصادياً، وتعمل بشكل ممنهج كى تصل إلى مرحلة الانهيار؛ حتى لا يكون أمامها أى فرصة للوصول إلى حل الدولتين، الذى بدأ يطفو مرة أخرى على سطح المداولات السياسية فى المجتمع الدولى، والمطالبات الملحة بتحقيقه؛ لأنه بات الأمل الوحيد لإنهاء الصراع القائم بين الفلسطينيين وإسرائيل بعد أن توارى كثيراً فى الفترة الماضية وحُذف من أجندة الاهتمام الدولى والأمريكى، لكنه عاد مؤخراً من جديد ليبرز فى تصريحات المسئولين والقادة، خصوصاً بعد السابع من أكتوبر والحرب على غزة، وما تلاها من أزمات وجودية تتعلق بكيفية حل القضية الفلسطينية ذات أطول صراع شهده التاريخ بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى.

لقد نشر الجهاز المركزى الفلسطينى للإحصاء، مؤخراً، تقريراً يشير إلى انكماشات حادة وخطيرة فى كل المؤشرات الإحصائية المتعلقة بالتبدلات الطارئة على الاقتصاد الفلسطينى من 2022 و2023 والنصف الأول من عام 2024، ولعل أهم ما ورد فى التقرير الصادر يوم 12 يونيو من هذا الشهر، هو تضاعف نسبة البطالة فى الضفة الغربية لتصل إلى 25%، وانكماش اقتصادى يصل إلى 37%، وتراجع فى القدرة الشرائية يتعدى 56%، وتراجع فى حركة الاستيراد والتصدير بنسبة تتجاوز 30%، وتضخم فى عجز الموازنة وصل إلى 52%، وقد انعكست هذه الأرقام بشكل شديد الوضوح على النشاط الاقتصادى العام والأداء الحكومى وقدرات القطاع الخاص، ما تسبب فى مشكلات جوهرية أدت إلى إغلاق ما يقارب ربع المنشآت الاقتصادية فى الضفة الغربية، وعزوف الموظفين عن الالتزام بالحضور إلى أماكن عملهم، وامتناع شريحة كبيرة من المواطنين عن تسديد ما عليهم من التزامات متعلقة بإيجارات المحال التجارية والشقق السكنية وأقساط المدارس والجامعات وغيرها.

لكن الخطير فى الأمر أن هذه المؤشرات آخذة فى التصاعد، ما دفع السلطة الفلسطينية إلى تنبيه المجتمع الدولى بأنها باتت أقرب من أى وقت مضى إلى التفكك والانهيار، فقد نقل موقع (أكسيوس) الأمريكى، عن مسئول أمريكى لم يسمه، قوله إن إدارة الرئيس جو بايدن تشعر «بقلق» من مغبة انهيار السلطة الفلسطينية إذا لم تُحوَّل إليها عائدات الضرائب قريباً. وأشار إلى أن الولايات المتحدة كانت غاضبة من الخطوة التى اتخذها وزير المالية الإسرائيلى المتطرف، بتسلئيل سموتريش، بتجميد أموال الفلسطينيين، حتى إن «بلينكن» طرح القضية فى اجتماعه مع «نتنياهو» فى 10 يونيو الجارى، وضغط عليه لحلها فى أقرب وقت ممكن، دون أن يحصل على أى وعود أو رد واضح من «نتنياهو»!.

قد يعتقد البعض أن الأمر متعلق برد فعل إسرائيلى انتقامى بعد ما حدث فى 7 من أكتوبر العام الماضى، لكن الحقيقة هى غير ذلك تماماً. لقد بدأت الإجراءات الاقتصادية الإسرائيلية الخانقة للسلطة الفلسطينية تزامناً مع تشكيل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التى يقودها «نتنياهو»؛ فبدءاً من أواخر عام 2022 بدأت السلطات الإسرائيلية باقتطاع جزء من الضرائب الفلسطينية المستحقة، يتجاوز 45 مليون دولار شهرياً، وهو الجزء الذى كانت تخصصه السلطة الفلسطينية لعائلات الأسرى والشهداء فى الضفة وغزة، وقد انعكس هذا فوراً على شريحة الموظفين عندما بدأت السلطة باقتطاع هذه النسبة المصادرة من رواتبهم، ولم يعد بوسعها أن تصرف لهم أكثر من 80% منها، أما بعد السابع من أكتوبر، وتحديداً فى نهاية الشهر نفسه، فقد باشرت السلطات الإسرائيلية اقتطاع حصة غزة من موازنة السلطة الفلسطينية والتى تبلغ 46% من هذه الموازنة، ما اضطر السلطة الفلسطينية إلى توزيع حصة الضفة الغربية على الضفة وغزة معاً، ما أدى إلى إنقاص رواتب الموظفين بنحو 65%. وبدءاً من شهر مارس هذا العام اتخذ وزير المالية الإسرائيلى «سموتريتش» قراره الأهوج بالامتناع عن تحويل عائدات السلطة بالكامل، ولم يكن أمام السلطة، للحفاظ على الحد الأدنى من القدرة على أداء مهامها، سوى الاعتماد على ما تجنيه من ضرائب محلية لتصل رواتب الموظفين إلى أدنى مستوى، تعادل 40% من قيمتها الأصلية، ومع تراجع الأنشطة الاقتصادية بوجه عام، فإن حجم الضرائب المحلية قد بدأ فى التراجع الحاد، ما يعنى أن السلطة لن تتمكن على المدى القريب وخلال الشهور القادمة من دفع أى جزء من الرواتب، وهذا سيؤدى حتماً إلى تفكك السلطة وانهيارها.

تبرر سلطات الاحتلال الإسرائيلى إجراءاتها العقابية الاقتصادية والمالية أحياناً بأن السلطة الفلسطينية رفضت إدانة هجوم السابع من أكتوبر، وأحياناً أخرى بأنها رد على قرار بعض الدول الأوروبية الاعتراف بدولة فلسطين، وأحياناً ثالثة بأنها رد على تحرك السلطة الفلسطينية باتجاه محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية! وفى الحقيقة، فإن كل تلك التبريرات لا تخفى حقيقة أن حكومة نتنياهو المتشددة تضمر استراتيجية ثابتة، مآلها السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، والشروع عملياً فى ضم أجزاء واسعة منها إلى إسرائيل، بما تجهز نهائياً على فكرة حل الدولتين، وما يؤكد هذا الاتجاه الاستراتيجى لدى الحكومة الإسرائيلية هو التوسع الاستيطانى النامى كالسرطان فى الجسد الفلسطينى ويتوغل فى عموم الضفة الغربية، وعلى نحو خاص فى شمالها ووسطها لهدفين واضحين: أولهما الوصول إلى تغيير ديموغرافى فى الشمال، خاصة حول نابلس وجنين وطول كرم، بهدف التصدى للنشاط المقاوم المتصاعد فى هذه المناطق، وثانيهما العمل فعلياً على فصل شمال الضفة عن جنوبها، بتنفيذ مشروع E1 الذى يربط مستوطنات القدس بمستوطنات غور الأردن، وهذا يعنى أن الأمر يتعدى رد الفعل الانتقامى إلى استغلال حدث السابع من أكتوبر لتنفيذ استراتيجية معدة مسبقاً للسيطرة على الضفة والإجهاز على أى احتمال لقيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967.

تستشعر الولايات المتحدة وأوروبا حجم الخطر الذى يمثله السلوك الإسرائيلى، وتدرك يقيناً أن هذا المشروع الذى تبنته واستثمرت فيه المليارات خلال الأعوام ما بين 1993-2024 قد بات فى مهب الريح، ومع اقتناعها بأن هذا سيشكل خطراً مميتاً على السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط، فإنها مع ذلك لم تجد الوسيلة المناسبة حتى الآن لثنى إسرائيل عن هذا السلوك وإقناعها بالتراجع عما تخطط له. لقد بلغ حجم الأموال المقتطعة من عائدات الضرائب الفلسطينية ما يزيد على المليار و105 ملايين دولار، وهو بالقياس إلى الموازنة المحدودة للسلطة مبلغ ضخم، وإذا ما استمرت إسرائيل بحجب عائدات الضرائب، فإن انهيار السلطة الفلسطينية سيصبح واقعاً فى وقت قريب للغاية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عائدات الضرائب المحتجَزة تهدد بانهيار السلطة الفلسطينية عائدات الضرائب المحتجَزة تهدد بانهيار السلطة الفلسطينية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon