بقلم - جيهان فوزى
يبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد عقد النية على إسقاط ملف الأسرى من حساباته العسكرية، فى الحرب الدائرة على قطاع غزة منذ نحو خمسة أشهر، فقد رفض مقابلة أهالى الأسرى الذين حددوا موعداً للقاء به مرتين، متجاهلاً الضغوط التى يتعرض لها من معارضيه الذين يطالبونه بإيلاء الأولوية لتحرير الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية، وإبرام صفقة للتبادل تتضمن وقفاً دائماً لإطلاق النار، وهو ما لا يريده نتنياهو، لأن ذلك يعنى أن الثمن سيكون هزيمة سياسية مدوية له، لذا فهو يتعمد إطالة أمد الحرب قدر المستطاع، رغم المعارضة الداخلية والخارجية، لكنه يتحصن باليمين الصهيونى المتطرف فى حكومته والقادر على الحفاظ على ائتلاف الحكومة من الانهيار، وبالتالى الذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة التى باتت رغبة أكثر من 71% من الإسرائيليين، بحسب آخر استطلاع أجرى فى إسرائيل.
ملف الأسرى هو العقبة الأكثر إيلاماً على مستقبل نتنياهو السياسى، ولو كان الأمر بيده لاتبع معهم بروتوكول «هانيبال» كى يتحرر من ضغوط عائلات الأسرى التى أصبحت تشكل كابوساً يؤرق مستقبله السياسى، ويستغل «نتنياهو» فى اتجاهه هذا إلى فئة واسعة العدد من أهالى الجنود الإسرائيليين الأسرى والذين سقطوا خلال الحرب، باعتبارهم أصبحوا فئة ناشطة إعلامياً وجماهيرياً تطالب باستمرار الحرب بكل قوة والانتقام لدماء أبنائهم المقتولين، وفى هذا الإطار يستطيع نتنياهو اللعب على كل الحبال، فهو يعبِّر أمام مجلس الحرب عن حيرته الزائفة إزاء الاختيار بين مطالب هؤلاء، ومطالب أولئك الداعين إلى إبرام صفقة بأى ثمن. غير أن اللافت هو تراجع تحركات أهالى الأسرى، فلم تعد بالثقل نفسه كما كانت قبل شهرين من اليوم، ومن هنا فإن نتنياهو قد تحرر نسبياً من هذا الضغط، لكن وباعتبار أن الفشل بات حليفاً له منذ السابع من أكتوبر، فإن التحرر من ضغط ما، يقابله على الفور تزايد فى ضغط من نوع آخر، ولعل أهم ما يواجهه نتنياهو الآن هو أولاً ضغط الإدارة الأمريكية، التى عجزت عن إقناع نتنياهو بالتمهل والتوقف، اتجهت إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار بوقف فورى ومؤقت لإطلاق النار قدم بالحبر الأحمر وسيقدم خلال يومين بالحبر الأزرق، ما يعنى أنه يجب أن يتم التصويت عليه خلال ثمانٍ وأربعين ساعة، وثانياً فإن الضغط الذى يمثله بينى جانتس، وجابى أيزينكوت، وكلاهما فى مجلس الحرب بالانسحاب من مجلس الحرب، خاصة بعد أن بدأ أيزينكوت بالتصريح علانية بأن إنجازات الحرب ما زالت تكتيكية ومحدودة ولم تحقق أى مكسب استراتيجى بعد؟ وهذا ما أثار غضب اليمين المتطرف، الأمر الذى دعا وزير الأمن القومى «إيتمار بن جفير»، إلى مطالبة نتنياهو بحل مجلس الحرب الذى أصبح فى نظره عائقاً أمام تحقيق النصر المأمول.
ربما من الصعب التنبؤ بما سيقرره «نتنياهو» خلال الأيام المقبلة، فيما إذا كان سيواصل التصعيد الميدانى أم أنه سيتجه للمساومة بشكل أكثر عقلانية للوصول إلى صفقة معقولة مع حماس، أما إذا ما تعلق الأمر بالتوقعات المنطقية والمعقولة المستندة إلى ثبات واستقرار موازين القوة فى الميدان خلال الأسابيع القادمة، فإنه لا مخرج أمام نتنياهو سوى القبول صاغراً بما يرفضه عناداً هذه الأيام من شروط تتمسك بها المقاومة الفلسطينية، على الرغم من كل الضغوط العسكرية الهائلة التى يمارسها جيش الاحتلال ضد الشعب الفلسطينى. ولعل المعضلة الرئيسية أمام نتنياهو، هى أن شروط المقاومة تتركز قبل أى شىء آخر على ضرورة أن تنتهى المرحلة الأولى من الهدنة المقترحة بوقف كامل لإطلاق النار، وانسحاب شامل من قطاع غزة إلى ما وراء الحدود، وهذا يعنى بالنسبة لنتنياهو إقراراً صريحاً لا لبس فيه بأن حربه لم تنتهِ إلى أى انتصار. ما سيجر عليه وعلى ائتلافه الحكومى تبعات سياسية غاية فى الخطورة، لا تقل عن الهزيمة السافرة فى أى انتخابات مبكرة، فضلاً عن ملاحقته شخصياً أمام القضاء بتهم الفساد المنسوبة إليه.