توقيت القاهرة المحلي 17:00:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محاكمة إسرائيل بجرائم الحرب غير واردة

  مصر اليوم -

محاكمة إسرائيل بجرائم الحرب غير واردة

بقلم - جيهان فوزى

السؤال الأهم فى التوقعات الخاصة بما بعد الحرب على غزة هو هل ستُحاكم إسرائيل على ما ارتكبته من جرائم إبادة أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب ضد الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر؟ أم أن إسرائيل ستكون عصية على العقاب؟ الكثير من المراقبين يتوقعون أو يأملون أن يستجيب الضمير العالمى لصراخ الضحايا فى غزة بحيث يشكل ضغطاً جدياً مستمراً على الدول والمؤسسات الدولية، لإخضاع إسرائيل للمحاكمة التى تستحقها، وهم يبنون آمالهم على متغير جديد من حيث المبدأ، وهو أن شعوب العالم بدأت تستفيق وتعى أن إسرائيل الحقيقية، ليست إسرائيل الضحية، والمحاصرة، والمكروهة، فى بحر من العداء العربى والإسلامى فى الشرق الأوسط. وهنا يجب الاعترافُ بأن هناك تحولاً جدّياً فى اتجاهات الرأى العام العالمى تجاه إسرائيل، وأن شرائح جماهيرية أوسع تنضم إلى نُخب المثقفين والأكاديميين، والعاملين فى المنظمات الإنسانية والحقوقية الذين قادوا هذا التحول، تحت وطأة الصور المُفجعة التى تأتى من غزة، لكن العنصر الأهم الذى سيُحدّد اتجاه الإجابة عن السؤال هو إن كان هناك تحول مشابه طرأ على خارطة التوازنات الدولية وأنظمة عمل المؤسسات العالمية التى ستكون هى الطرف الذى سيحاكم ويعاقب.

لقد رسمت نتائج الحرب العالمية الثانية خارطة العلاقات الدولية وحدّدتها بدقة شديدة، مما مكن القوى الكبرى من إعادة تشكيل عصبة الأمم، وكل المؤسسات التابعة لها، لتتحول إلى هيئة للأمم المتحدة، تعكس بدقة شديدة هذه التوازنات التى أرستها الحرب، ولم تفلح الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعى والرأسمالى فى تغييرها، بل رسّختها وأطالت فى عمرها أكثر، وعلى نمط تلك الهيئة تشكلت المؤسسات والآليات التى يُفترض بها حماية الشعوب، من أطماع القوى الكبرى والحروب التى تشنّها سواء خلال مراحل الكفاح ضد الاستعمار أو فى المراحل اللاحقة بعد سبعينات وثمانينات القرن الماضى، وإذا أخذنا على سبيل المثال محكمة العدل الدولية، فسوف نفهم بالضبط معنى أن تكون تلك المؤسسة التابعة للأمم المتحدة نسخة مطابقة للمنظمة الأم فى نقاط ضعفها وعجزها، فالمحكمة الدولية لا يمكن لقراراتها أن تكون ذات وزن عملى إلا عبر المرور من خلال مجلس الأمن الدولى، ليُعطى تلك القرارات صفة الإلزام، ويُحدّد آليات التنفيذ، وهى فى ذلك تشابه الجمعية العامة للأمم المتحدة نفسها التى لا تتخذ قراراتها صفة الإلزام، ولا تشكل أكثر من رافعة دبلوماسية وإعلامية ومعنوية، للدول الضعيفة المشتكية أمامها. أما عندما يتعلق الأمر بمصالح القوى الكبرى، فإن مجلس الأمن سيكون سلاحها الدولى لإلزام القوى الأخرى بالتنفيذ، هذا إذا اتفقت الدول دائمة العضوية على قرار ما، أما إذا اختلفت فإن مصير مجلس الأمن هو العزلة والبطالة. أما فى ما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، فهى وإن كانت قد تشكلت على أساس معاهدة روما بعيداً عن الأمم المتحدة، فإن آليات عملها لا تختلف فى كثير أو قليل عن محكمة العدل الدولية، لأنها تخضع بفعل التمويل والتعيين والضغوط السياسية لهيمنة الولايات المتّحدة بالكامل، بحيث يكاد يكون من المستحيل أن تحكم على عكس الإرادة الأمريكية، وخير دليل على ذلك أن المحكمة الجنائية التى كانت قد أصدرت حكماً على الرئيس السودانى المعزول عمر البشير، سرعان ما تراجعت عن هذا الحكم، عندما وافق البشير على استقلال جنوب السودان! وذهبت دماء ضحايا دارفور هباءً.

يقودنا هذا إلى قبول حقيقة مزعجة ومؤلمة خلاصتها أن القوى الكبرى التى أنشأت ذلك النظام الدولى والمؤسسات الدولية، بهدف خدمة مصالحها، لن تسمح لذلك النظام أو لتلك المؤسسات بالعمل ضد هذه المصالح، وسيكون الاعتقاد بأنه من الممكن تحقيق العدالة من خلالها مجرد وهم! وعليه يمكن استنتاج أن المحاولات الجادة لإرغام إسرائيل على المثول أمام محكمة العدل الدولية ستُحقق بالتأكيد أثراً غير مباشر على مكانتها وسمعتها، لكن هذا الأثر لن يصل أبداً إلى حد إدانة إسرائيل، وإن وصل فإن تلك الإدانة ستكون دون سلاح تنفيذى يحقّق الغاية الفعلية من المحاكمة. هذا الأمر يحتاج أولاً إلى تبدّل جوهرى فى النظام العالمى، بحيث يخلو من هيمنة الدول الخمس الكبار، ثم إعادة تشكيل المؤسسات الدولية، وفق نظام وآليات عمل جديدة تمنحها القدرة على المساءلة والإدانة، وتنفيذ العقوبات، استناداً إلى قناعاتها ورؤيتها فقط دون الخشية من هيمنة الدول الخمس العظمى على إجراءاتها وأعمالها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محاكمة إسرائيل بجرائم الحرب غير واردة محاكمة إسرائيل بجرائم الحرب غير واردة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 00:01 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر لكل مؤسسات الدولة اللبنانية

GMT 13:42 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أغنى قطة في العالم تمتلك ثروة تفوق ضعف ثروة توم هولاند

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 16:54 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بنزيما يرشح كاسيميرو وعوار وفقير للانضمام لـ اتحاد جدة

GMT 23:51 2019 الأربعاء ,22 أيار / مايو

شركة آسوس تطلق هاتفها الذكي Zenfone 6 الجديد

GMT 12:48 2019 الإثنين ,20 أيار / مايو

نقل سولاف فواخرجي للمستشفى بعد حادث أليم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon