بقلم - جيهان فوزى
صوتها المذعور المشوش عبر التسجيل الصوتى، كان آخر ما سمعته والدتها قبل أن تفقد الاتصال بها. ماذا حدث للطفلة «هند» ذات الستة أعوام؟ أثناء توجه سيارة الإسعاف نحو السيارة، كانت «وسام» والدة هند تتحدث معها عبر الهاتف، سمعت «وسام» بعدها صوت باب السيارة يُفتح ثم فُقد الاتصال.
لقد ذهب المسعفون لنجدتها بعد مكالمة قصيرة مع ابنة عمها «ليان» البالغة من العمر 15 عاماً، ثم سُمع صوت صراخها، وسط إطلاق نار كثيف من الدبابة التى كانت بالقرب من السيارة التى تقلهم، ثم ساد صمت موحش.لم يتمكن المسعف الذى كان يتواصل مع «ليان» من معرفة ما حدث لها، فذهبت سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطينى إلى المكان الموجودين فيه، بعد أخذ الموافقة الأمنية من جيش الاحتلال.
وحتى هذه اللحظة لا أحد يعرف ماذا حدث مع «هند» أو مع طاقم الإسعاف؟ هل فرغت بطارية الهاتف؟ أم تم قطع الاتصال؟ أم تم قصفهم؟الطفلة «هند رجب» الناجية الوحيدة بعد مقتل «ليان» ووالديها وثلاثة من أشقائها الذين كانوا معها فى السيارة، لغز محير ترفض إسرائيل الإفصاح عن تفاصيله أو فك رموزه، وتزعم أنها ما زالت تتحقق من الحادث، الذى وقع فى 29 من الشهر الماضى!
والدة «هند» يقتلها الرعب والقلق، خوفا على ابنتها، لكن يحدوها الأمل فى كل ساعة تمر منذ اختفائها فى عودتها، تنتظرها فى مستشفى المعمدانى فى غزة، الذى لجأت إليه ظناً منها أنه أكثر أمناً، بعد أن طلب منهم جيش الاحتلال مغادرة أماكن نزوحهم، كل يوم يمر على والدة «هند» كأنه دهر، تحمل ملابسها فى انتظار عودتها فى أى وقت.منذ الحادثة يحاول الهلال الأحمر الفلسطينى التواصل مع جيش الاحتلال، لمعرفة ما جرى، لكن لم يعطهم إجابة واضحة، الأسئلة كثيرة والغموض يحيط بالحادث؟ هل قتلوا؟ هل تم اعتقالهم؟ أين ذهبوا؟ لا إجابات تخفف قلق الأم المكلومة، وتبدد هواجسها، بالنسبة لأولئك الذين ينتظرون الأخبار أو المعلومات فكل يوم يمر هو العذاب بعينه، كل لحظة مليئة بالحزن والقلق.
كم مثل «هند» فى حرب غزة تعرضت لهذا الفزع والرعب؟ كم طفلاً فُقد فى غزة ولا أحد من عائلته يعرف عنه شيئاً؟ وهل ستعود «هند» إلى حضن والدتها حية؟ أم سيفوت الأوان وتصبح جثة هامدة؟ أم أن قصتها ستبقى طى المجهول؟
تتزايد المطالبات بإجابات حول مصير الطفلة «هند» واثنين من موظفى الإسعاف اللذين ذهبا لنجدتها، ففى غزة أصبح كل شىء متوقعاً، تفاصيل الواقع المرير الذى يعيشه المواطنون تفوق الخيال، والقصص اليومية المأساوية لا تنتهى، وجيش الاحتلال يمارس أقسى أنواع العقاب الجماعى، ولا يتردد فى القتل والاعتقال والتدمير، ضارباً عرض الحائط بكل القوانين والتشريعات والمواثيق الدولية، عشرة أيام ولا يزال مصير «هند» وطاقم الإسعاف مجهولاً، الاستغاثات بالمجتمع الدولى لا تتوقف، لكن متى كان هناك اهتمام بالمجازر التى ترتكبها إسرائيل يومياً بحق أهل غزة وأطفالها، متى كان لهؤلاء ثمن أو أهمية بالنسبة للغرب؟ نصف الشهداء الذين ارتقوا فى الحرب الدائرة منذ السابع من أكتوبر هم أطفال، فى تعمد واضح باستهداف الأطفال والنساء، كم من الأطفال استشهدوا، أو فقدوا الأب والأم؟.
«طفل جريح لا أسرة له على قيد الحياة»، عبارة باتت عنوان الحياة اليومية لسكان قطاع غزة، يرددها المسعفون كل لحظة دون توقف، لوصف ضحايا الحرب، إنها عبارة تصور واقع أطفال تغيرت حياتهم فى بضع ثوان، بما خلّفته الحرب من تأثير مدمر عليهم. لقد حولت الحرب قطاع غزة إلى مقبرة للأطفال، باعتراف «أنطونيو جوتيريش»، الأمين العام للأمم المتحدة، ومنظمة اليونيسيف، وأطباء بلا حدود، وغيرها من المنظمات الإنسانية والإغاثية التى كانت شاهداً عاجزاً على المجازر التى ترتكبها إسرائيل يومياً بحق الأطفال دون أن يردعها أحد.لكن يظل تحديد العدد الدقيق للأطفال الذين استشهدوا فى غزة، فى خضم حملة القصف الشرسة، ومع انهيار المستشفيات، والجثث تحت الأنقاض، والأحياء المدمرة، هى مهمة صعبة للغاية.
ويبقى الحديث عن لغز اختفاء «هند»، هو الشغل الشاغل للفلسطينيين حتى ينكشف غموضه، فقد تحولت قضية «هند» إلى «هاشتاج» يجوب أنحاء العالم، فهل تنصاع إسرائيل وتكشف عن الحقيقة؟