بقلم - جيهان فوزى
فى العلم العسكرى، فإن الحرب التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة عملياً فى نهايتها، لكن حكومة الحرب الإسرائيلية وعلى رأسها بنيامين نتنياهو تصر على مواصلة القتال دون هدف محدد، بخلاف ما تعلنه فى الإعلام الإسرائيلى والعالمى، وهو تحرير الأسرى والقضاء على حركة حماس، وكلا الهدفين بات بعيد المنال ما لم يتم التفاوض والتوصل إلى حل سياسى يفضى إلى اتفاق على كل القضايا المعقدة والشائكة بين إسرائيل وحركة وحماس، فى اليوم التالى من الحرب. لكن يبدو أن المفاوضات ما زالت عالقة بين تشدد الطرفين، برفضهما إبداء أى مرونة أو تقديم أى تنازل، من شأنه تقريب الفجوة العميقة.
باب المفاوضات لا يزال مفتوحاً وهو الأهم، والموقف الأمريكى القادر على حسم الأزمة غامض ومثير للشك والريبة؟! فمن جهة تتسرب تصريحات على لسان مسئولين رفيعى المستوى فى الإدارة الأمريكية تكشف عن تنامى الفجوة وتصاعد الخلاف بين الرئيس الأمريكى جو بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وفى المقابل نرى التناغم بينهما!
لا سيما خلال المحادثة الهاتفية الأخيرة التى تمت بين الرجلين، والحديث عن خطة جيش الاحتلال لشن عملية عسكرية واسعة فى مدينة رفح، التى تعارضها الإدارة الأمريكية تماماً، ويبدو أن نتنياهو قد أقنع بايدن بضرورة هذه الخطوة كسابقاتها من خطط اجتياح محافظات ومدن غزة، إذ بدا الأخير مقتنعاً بأهداف نتنياهو لجهة ضرورة اجتياح مدينة رفح، وهو ما لم يكن نفس التشدد الذى نقله مسئولون فى الإدارة الأمريكية على لسانه قبل هذه المحادثة!
فى مفاوضات معقدة وعنيدة من هذا النوع فإن التنبؤ بالنهايات يكون صعباً دون تحليل دقيق لعناصر القوة والضعف لدى طرفى النزاع.
وفى قراءة أولية يبدو لى واضحاً أن سياسات وقرارات نتنياهو محكومة ومقيدة بالعديد من الاعتبارات، فى مقدمتها الموقف الأمريكى والأوروبى وتوجهات الرأى العام، والأحزاب السياسية الإسرائيلية، وموقف الجيش الإسرائيلى، الذى لا يخفى خلافاته مع نتنياهو، ومن هنا فإن نتنياهو يحاول انتزاع موافقة دولية باستمرار العملية العسكرية.
وفى الوقف نفسه يحاول تطمين الرأى العام الإسرائيلى والأحزاب المتحالفة معه والمعارضة له إلى أنه سيحقق إنجازاً مؤكداً، يعيد لإسرائيل قدرتها الردعية التى تهاوت فى 7 أكتوبر، ثم تهاوت بشكل متدحرج أكثر خلال الحرب الممتدة حتى يومنا هذا، وفى المقابل فإن المقاومة الفلسطينية لا تجد نفسها محاطة بضغوط من هذا النوع، إذ ليس لديها اعتبار وازن للموقف الدولى.
كما لا تخشى رد فعل شعبى مناوئاً لها بالنظر إلى أن الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطينى داخل الأراضى المحتلة وخارجها وخاصة أهل غزة، يعبرون معظمهم عن التأييد الكامل للمقاومة، بغض النظر عما حل بهم من مآس يصعب تحملها، وعليه فإن من المرجح أن يكون نتنياهو السباق إلى التنازل؟
وربما يكون الموقف الأمريكى واحداً من العوامل الحاسمة التى ستدفع نتنياهو إلى التراجع عن صلفه وغطرسته الكاذبة، باتجاه القبول بصيغة جديدة لاتفاق الهدنة تقبل به حماس، ولعل أكثر ما يخشاه نتنياهو هو التسريبات والتلميحات الأمريكية والأوروبية، حول وجود خطة دولية للاعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 فى الأمم المتحدة، وهو ما يعنى وضع إسرائيل فى مواجهة العالم كله بما فيه الولايات المتحدة إزاء مستقبل السلام فى المنطقة.