بقلم - جيهان فوزى
لا نستطيع الجزم بما يمكن حدوثه فى الأيام القليلة المقبلة على صعيد التوتر الحاصل بين حركة الجهاد الإسلامى الفلسطينى وإسرائيل، على خلفية اعتقال بسام السعدى، أحد قيادات الجهاد الإسلامى النافذة فى مخيم جنين، الاستعدادات الاستباقية الإسرائيلية على أوجها، تأمين المستوطنين والمستوطنات المحاذية لقطاع غزة، رفع درجة الاستنفار فى الجيش، إغلاق الطرق المؤدية إلى قطاع غزة ومحاصرتها بالحواجز، إغلاق الشواطئ القريبة من القطاع وإيقاف حركة القطارات، إغلاق المعابر ومنع العمال من دخول إسرائيل، إرسال صور للسعدى بعد الاعتقال تطمئن به الوسطاء بأنه لم يتعرض لأذى أثناء الاعتقال أو التحقيق! إرسال رسائل للفصائل الفلسطينية عبر الوسطاء مفادها أن إسرائيل لا تسعى للتصعيد لكنها سترد بقوة على أية محاولة لشن هجوم عليها؟! والسؤال: هل هناك اعتداء أكثر مما تفعله إسرائيل يومياً مع الفلسطينيين القاطنين فى الضفة الغربية وقطاع غزة؟.
ورغم أنها لم تعلن صراحة عن ماهية ردها، فإن قيادات حركة الجهاد فى الداخل والخارج أغلقوا هواتفهم وتجاهلوا الرد على الوسطاء. ويبدو واضحاً أن الجيش الإسرائيلى يتخوف من قيام عناصر من حركة الجهاد الإسلامى بعمل انتقامى بعد اعتقال «السعدى»، فسارع وقام بخطوة غير مسبوقة لنشر صور له بعد اعتقاله، ليظهر أنه بصحة جيدة، رغم الإصابة الطفيفة التى ظهرت على أنفه وفمه والتى بررها جيش الاحتلال بأنها نتيجة مهاجمة كلب بوليسى له خلال عملية الاعتقال.
غير أن الاعتقال الوحشى لقائد الجهاد الإسلامى فى شمال الضفة الغربية، الذى أظهرته فيديوهات عملية سحله أثناء الاعتقال، وإطلاق الكلاب البوليسية عليه، كان بمثابة إهانة وإذلال للحركة، التى سارعت فى بيان مقتضب بإعلان حالة الاستنفار ورفع جاهزية مقاتليها تلبيةً لنداء الواجب أمام العدوان الغادر الذى تعرض له القيادى الكبير بسام السعدى، فهى تدرس خياراتها التى لم تعلن عنها بعد، وهو ما قاد إلى توتر كبير فى قطاع غزة، وطبيعى فى مثل هذه الحالات، ومن تجارب سابقة مع الاحتلال أن يشتعل فتيل الحرب فى أية لحظة دون سابق إنذار، رغم أن القطاع لم يتعاف بعد من ويلات وتوابع وأحزان ونكبات الحرب الأخيرة، التى شنتها إسرائيل فى شهر مايو من العام الماضى على قطاع غزة التى استمرت 11 يوماً، قتل خلالها عائلات بأكملها ومسحت من سجل الأحياء، فماذا ينتظر سكان القطاع فى ظل التوتر المتصاعد الآن؟ هناك حالة استنفار ميدانية، وإخلاء للمواقع العسكرية تحسباً لأى تصعيد قادم، وتحركات مباشرة للوسطاء بين إسرائيل والفصائل، على أمل التهدئة قبل اشتعال فتيل حرب جديدة، لا أحد يتوقع مفاجآتها؟ فالطريقة الهمجية التى تعاملت بها قوات الاحتلال مع المسن السعدى، ومع المواطنين الفلسطينيين أثناء اعتقالهم، إنما تعبر عن مدى تفشى ثقافة العنف والكراهية والعنصرية والانحطاط الأخلاقى فى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ومراكز صنع القرار وإصدار التعليمات والأوامر فى دولة الاحتلال، وهى شكل آخر من أشكال التعامل الوحشى لقوات الاحتلال مع المواطنين الفلسطينيين، فى استباحة غير مسبوقة لحياتهم. فقد تعودت إسرائيل على العدوان ثم الصراخ والتباكى أمام العالم بأنها الضحية والمعتدَى عليها، عملاً بالمثل القائل: «ضربنى وبكى وسبقنى واشتكى»! الغريب أن إسرائيل تحذر «لا تبادروا إلى تصعيد الوضع فى غزة، بسبب عملية اعتقال فى جنين»، وهو ما يؤكد خشية إسرائيل من عمليات انتقامية قاسية، فالاستعدادات التى تقوم بها إسرائيل وحالة الاستنفار غير العادى فى منطقة غلاف غزة، لم تحدث منذ حرب «سيف القدس» الأخيرة على القطاع باعتراف الإعلام الإسرائيلى.
ربما تبيّت إسرائيل النية لمواجهة عسكرية تحاول استبعاد أنها مَن بدأها، بل اضطرت لها، بدليل الرسائل التى بعثتها عبر الوسطاء للفصائل الفلسطينية، غير أن الأحداث الأخيرة لأى مراقب تبدو مترابطة ومتشابكة ببعضها، منها إعلان جيش الاحتلال مؤخراً عن تبريره قصف أماكن سكنية فى الحرب الرابعة لاستهداف الإحداثيات العسكرية الخاصة بحماس، متهماً المقاومة الفلسطينية بأنها تمارس العمل العسكرى بين المدنيين، ثم بعد أيام إعلان المقاومة بغموض عن استهداف إسرائيل لمكان أسراها فى الحرب الأخيرة دون تفاصيل إن كانوا لا يزالون أحياء أم قُتلوا؟ ثم تقوم إسرائيل بالتصعيد باعتقال قائد الجهاد بسام السعدى فى جنين بطريقة مهينة، ما استدعى استنفار سرايا القدس، الجناح العسكرى لحركة الجهاد، وأوصل الوضع العسكرى إلى حالة من التوتر الشديد، الذى قد تعقبه حرب جديدة، يبدو أن هدف إسرائيل منها لم يتكشف بعد! لكن المؤكد أن مَن سيدفع الثمن هو قطاع غزة المنكوب.