بقلم - جيهان فوزى
ظهر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى «أفيخاى أدرعى» فى مقطع فيديو جديد، يبرّئ فيه ساحة قوات الاحتلال الإسرائيلى من دم الشهيدة شيرين أبوعاقلة، التى قُتلت غدراً على يد قناص إسرائيلى فى 11 من شهر مايو الماضى. تعود أفيخاى الذى يجيد اللغة العربية أن يخرج بفيديوهاته الموجّهة للمنطقة العربية، لتبييض وجه الاحتلال فى كل فعل يقوم به ضد الفلسطينيين، وتبرير سلوكه مهما كان متطرفاً أو مبالغاً به، هذه المرة خرج «أفيخاى»، لينفى عن جيش الاحتلال نية القصد والتعمُّد، ويقول إن الرصاصة التى أصابت شيرين وقتلتها فى أحداث جنين أثناء الاشتباكات بين المقاومين وقوات الاحتلال ربما تكون إسرائيلية! مضيفاً أن التحقيقات «النزيهة» التى شارك فيها رجال أمن أمريكيون، وبعد جهد مضنٍ من التحرى والبحث الدقيق، لم تجزم أيضاً بأن هوية الرصاصة تعود للجيش الإسرائيلى! نظراً للتعقيدات التى شابت القضية، ورغم ذلك فإنه من الممكن أن تكون شيرين قُتلت بنيران قوات الاحتلال، ولكن عن طريق الخطأ ودون قصد! الأغرب فى تصريحات «أدرعى» أنه لم يستبعد أيضاً احتمال قتلها برصاص المقاومة الفلسطينية أثناء الاشتباك، رغم الأدلة الدامغة التى قدّمتها السلطة الفلسطينية، وجهات التحقيق المستقلة، وشهود العيان فى حينه، التى تؤكد بشكل قاطع، مسئولية جنود الاحتلال عن إطلاق رصاصة قناصة موجّهة، هى التى قتلت الصحفية الفلسطينية شيرين، حين أصابتها فى رقبتها بشكل مباشر ومقصود، رغم ارتدائها سترة كاملة وخوذة واقية من الرصاص تحملان علامة صحافة، وهى الخاصة بحماية الصحفيين.
لم يكن سهلاً على إسرائيل أن تخرج بعد قرابة أربعة أشهر من استشهاد شيرين بهذا التقرير الهزيل، الذى أقرت فيه على استحياء باحتمالية مسئولية جنودها عن قتل الصحفية الفلسطينية، وطبعاً كان ذلك تحت وطأة الضغوط الأمريكية، خاصة أنه كان لمقتلها تداعيات كبيرة حول العالم، كما ذكرها الرئيس الأمريكى جو بايدن حين زار المنطقة قبل شهرين، نظراً لأنها كانت مواطنة أمريكية أيضاً. لذا تركز الاهتمام الأمريكى بالقضية والضغط على إسرائيل، وشدّدت كثيراً على أهمية تحديد المسئولين. ورغم ذلك فما زالت جهات التحقيق الإسرائيلية، تصر على عدم انتفاء احتمال إصابة «أبوعاقلة» برصاص فلسطينى أدى إلى مقتلها! لكن الصحافة الإسرائيلية التى تتمتّع بقدر من الحرية، أجمعت على أن نتائج التحقيق فى مقتل الصحفية «شيرين أبوعاقلة»، جاءت بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو أن الأمريكيين رغم الانحياز الكامل لكل الممارسات الإسرائيلية، ضغطت على الحكومة الإسرائيلية وعلى أعلى الرتب فى القدس، لإنهاء التحقيق فى مقتل «أبوعاقلة»، رغم الضرر البالغ الذى لحق بمصداقية الرواية الإسرائيلية، التى انحرفت وحاولت فى البداية الإيحاء بأن مسلحين فلسطينيين هم من أطلقوا عليها الرصاص، وجاء الاعتراف بعد أشهر أصرّ خلالها الجيش الإسرائيلى على استحالة تحديد مصدر الرصاصة التى قتلت «أبوعاقلة»، ومع ذلك فإن إسرائيل غير مستعدة حتى الآن لتحمّل المسئولية، فقد أكدت صحيفة «واى نت» العبرية أنه حتى قبل نشر نتائج التحقيق العسكرى المتعمّق فى مقتل «أبوعاقلة»، أطلعت إسرائيل الأمريكيين بالنتائج، التى بموجبها -على عكس القرار الأولى وعلى غرار التحقيقات الصحفية التى أجريت فى الشبكات الدولية- هناك احتمال كبير بأنها قُتلت بنيران المقاتلات الإسرائيلية. وأضافت الصحيفة أن قضية مقتل «أبوعاقلة» لم تسقط من جدول الأعمال حتى بعد أربعة أشهر من وفاتها، ويبدو الآن أن القضية ستظهر وترافق إسرائيل فى المستقبل أيضاً، موضحة أن إسرائيل كانت تأمل أن يؤدى نشر التحقيق إلى إنهاء القضية، وليس إلى فتحه من جديد. وبلا شك فإن عائلة أبوعاقلة كان لها دور رئيسى فى الضغط على المسئولين الأمريكيين لإجراء تحقيق شفّاف بشأن قضية استشهاد «شيرين»، فقد ركزت اهتمامها على الولايات المتحدة على أمل الضغط على إدارة بايدن، للسماح لمكتب التحقيقات الفيدرالى بإجراء تحقيق مستقل، فمن وجهة نظر العائلة: «بما أن إسرائيل غير قادرة على محاسبة نفسها، فإننا نضغط أيضاً من أجل تحقيق كامل للمحكمة الجنائية الدولية، لا يمكننا أن نتوقف قبل تحقيق العدالة لشيرين».
«شيرين» لم تكن صحفية فلسطينية - أمريكية فحسب، بل كانت أيضاً مراسلة شجاعة أكسبتها مهنيتها الصحفية وسعيها وراء الحقيقة، احترام الجماهير فى جميع أنحاء العالم.
نتائج التحقيق والإصرار الشعبى والدولى على تحديد مرتكبيها، وتضييق الدائرة حول المسئولين عن اغتيال «شيرين»، يضع إسرائيل فى دارة الاتهام مهما حاولت الإنكار، وتحديد المسئوليات يجب أن يشمل «السياسات والإجراءات»، لمنع وقوع حوادث مماثلة فى المستقبل.