بقلم: جيهان فوزى
لبنان عروس الشرق، لا تستحق أن يسحقها الفساد والفاسدون والتعصب الطائفى والحزبى، والمصالح السياسية الخاصة، الشعب اللبنانى شعب يحب الحياة ويعشق الجمال ويتنفس الحرية، لا يستطيع أن يتقوقع فى بوتقة القهر وتصفية الحسابات على حساب طموحاته وأحلامه، مرت عليه حروب جليلة اكتوى بنار الطائفية ومزقت وحدته وبهاءه الحرب الأهلية التى استمرت لعقود (1975-1990) بسبب الطبيعة الطائفية السياسية، هو شعب يعشق الحياة ويكتمل بالجمال، ولا يحتمل المزيد من الضغط والقهر، مشكلة لبنان فى أحزابها الكثيرة وهيمنة الطائفية على الهوية والمصلحة الوطنية، ولأن الكوتة الطائفية لها جلالها! فكان لا بد من الصراع للحفاظ على مقاعد التمثيل السياسى والمذهبى التى تؤهل كل حزب لاقتطاع جزء من جسد هذا البلد الرشيق، دون الالتفات إلى حاجته الحقيقية للاستقرار السياسى والاقتصادى وترسيخ الهوية التى مزقتها الطائفية، فتُرك نهباً لصراع ممتد لا ينتهى سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ووسط هذا التغول الذى ضرب عصب الدولة والنسيج المجتمعى، تفرق الشعب وتاهت أحلامه وتُركت هويته على أعتاب الضياع، لقد طفح الكيل ولم يعد بالإمكان الاحتمال وهذا الشعب يرى لبنانه تنهار بفعل سياسييها ومفسديها، انتفض لبنان وخرج الشعب دون مسميات ودون أجندات ليعبر عن غضبه ورفضه لما آل إليه الحال من فقر وبطالة وعزلة دولية وتدخلات إقليمية، فهل كان المطلوب أن يستغرق فى صمته؟!
لقد تنبأ العديد من الخبراء بهذا الانهيار، وتحدث فيلم «كفر ناحوم» للمخرجة المبدعة نادين لبكى عن المجتمع المنسى والمهمش فى هذا البلد الجميل، وعكس الفيلم ذلك الواقع المؤلم الذى يعيش فيه معظم الشعب اللبنانى، ويكفى جملة بطل الفيلم الطفل زين عندما أراد محاكمة والديه وسأله القاضى بأى تهمة ليجيب «لأنهم خلفونى»!! لم يكن الفيلم للإبداع الفنى فقط وإنما يحمل رسالة تحذير وتنبيه، فكان مرآة الواقع المرير الذى يعيشه اللبنانيون منذ عقود وهم فى انتظار انفراجة ما، يتجرعون كؤوس الإحباط واليأس، نادين لبكى سلطت الضوء على المشاكل المستعصية والمسكوت عنها التى يعانى منها شعبها، وتركت الأسئلة الحائرة مفتوحة على ألسنة الناس ليجيب عنها المسئولون فى الدولة، لذلك نجح الفيلم فنياً ولاقى إقبالاً جماهيرياً وحاز عدة جوائز دولية ومحلية.
منذ سنوات ولبنان يعيش على صفيح ساخن، واختصار المظاهرات التى خرجت إعلاناً لرفض الظروف المعيشية التى يتعرض لها اللبنانيون فى شكل الحسناوات اللاتى خرجن للتعبير عن غضبهن جنباً إلى جنب الرجال، إنما يعبر عن ضيق أفق وجهل وثقافة ضحلة يغلب عليها الفكر الذكورى القاصر على جسد المرأة، المجتمع اللبنانى مجتمع منفتح مثقف ناضج يتمتع بالحرية والاستقلالية، ولا يعانى عُقَد المجتمعات العربية الذكورية التى تختزل المرأة فى محاسنها، وتتجاهل قيمتها كإنسان، هذا الجهل والإفراط فى التركيز على الشكل وتجاهل المضمون الذى خرجوا من أجله فى الانتفاضة الغاضبة التى توحد عليها جموع اللبنانيين دون تمييز طائفى أو عرقى، يؤكد أننا ما زلنا نعانى حالة الإنكار والعجز فى تجاوز ثقافة الانبطاح وأزمة التمييز، إن اختزال أحداث لبنان المشتعلة بالتركيز على جمال المرأة اللبنانية وطبيعتها المنفتحة هو تقزيم للقضية وإساءة إلى اللبنانيين وانتفاضتهم التى جاءت تعبيراً عن رفض الفساد وتدنى الأحوال المعيشية والأزمة الاقتصادية الطاحنة التى يعانون منها منذ سنوات والتدخلات الخارجية التى أنهكت المجتمع اللبنانى وأصابته فى مقتل.