بقلم: جيهان فوزى
يتوجه غدا، الخميس، وفد أمنى مصرى إلى الأراضى الفلسطينية لعقد لقاءات مع القيادة الفلسطينية حول ملف المصالحة، ويحمل الوفد الأمنى المصرى أفكاراً جديدة لتطبيق المصالحة المستحيلة! تلك الأفكار تتعلق بالجدول الزمنى الذى تم التوافق عليه مع حركة حماس فى القاهرة عام 2017، غير أن تشاؤماً يسود الأوساط السياسية الفلسطينية من أن تحقق هذه الأفكار أى اختراق فى الوضع القائم المتجمد! فعلى مدار السنوات الماضية انشغلت القيادة المصرية بقضية التهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، لكن جهودها فى إطار المصالحة لم تحقق اختراقاً يذكر فى ظل تمسك الطرفين بمواقفهما، وكان الرئيس الفلسطينى محمود عباس وخلال كلمته أمام القمة العربية فى تونس نهاية شهر مارس الماضى، قد اتهم حركة «حماس» بـأنها تعطل المصالحة. وقال عباس حينها إن «مصر قدمت مؤخراً مقترحاً (للمصالحة) وافقنا عليه ووافقت عليه حماس، لكن إلى الآن لم تطبقه حماس التى لا تريد المصالحة»، بينما ردت حماس بالقول إن اتهام عباس «قلب للحقائق وتهرب من استحقاقاتها»، معتبرة أنها قدمت كل ما يلزم لإتمام المصالحة، وتعاطت بشكل وطنى ومسئول مع كل الجهود، بحسب بيان لها فى حينه.
ملف «المصالحة» على مدار السنوات الماضية أصبح ضرباً من ضروب الخيال، لا أحد يستطيع الرهان عليه أو حتى التفاؤل به، فى كل الجولات المضنية التى رعتها مصر كان الطرفان يتناحران على التفاصيل ويتغاضيان عن الهدف الأسمى والأعظم وهو إنهاء ملف الانقسام الذى أساء للقضية الفلسطينية وجعلها تتراجع كثيراً عربياً ودولياً، بل أفقدها التعاطف الشعبى أيضاً، وفى كل أزمة تتعرض لها القضية الفلسطينية بسبب أطماع إسرائيل وتأييد الولايات المتحدة المطلق لهذه الأطماع، يخرج علينا طرفا الأزمة بتصريحات مثالية مفعمة بالأمل حول حرصهما الشديد لإنجاز هذا الملف وطى صراعات وخلافات الماضى. ولأن المقبل أسوأ والرياح باتت عارمة لا أحد يستطيع مواجهتها، فأين تلك التصريحات من الأفعال؟ وإلى متى ستبقى مجرد كلام بلا معنى ولا هدف؟
نُقلت السفارة الأمريكية إلى القدس ولم يعتبر الطرفان لخطورة الخطوة سوى بالتصريحات المجانية التى لم تجد أى صدى، تم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل دون أن يتحرك المجتمع الدولى أو يضغط للعدول عن تلك الخطوة، بل أصبحت واقعاً ملموساً يؤيده عدد من الدول التى كانت ترفضه وتعتبره خيانة وقفزاً على الشرعية الدولية والقانون الدولى، فماذا فعلنا للجم الجموح الإسرائيلى، والدعم الأمريكى اللامحدود؟!
دخلت الولايات المتحدة بكامل قوتها للتسويق لصفقة القرن التى أعدها صهر الرئيس الأمريكى ومستشاره لشئون الشرق الأوسط جاريد كوشنر وبدأ بتنفيذ خطواتها الأولى فعلياً والترويج لها فى ورشة البحرين الاقتصادية ليغرى بها المحرومين المعزولين المحاصرين فى غزة، ليشارك فيها العديد من الدول العربية التى أعلنت رفضها للمشاركة! فماذا فعل الفلسطينيون؟
شجب واستنكار ورفض واتهامات متبادلة لم تتخطّ الماضى، ولم تتقدم خطوة واحدة على الأرض! تراجع الدعم الشعبى العربى بسبب التناحر الفلسطينى، ولم يعتبر الفلسطينيون!
السلطة الفلسطينية على حافة الإفلاس والدعم الدولى السياسى والمالى شبه متوقف بسبب الانتكاسات السياسية التى تواجه السلطة والعقوبات التى تفرضها إسرائيل على عائدات الضرائب، وامتناع الولايات المتحدة عن تقديم المساعدات المالية للأونروا المسئولة عن اللاجئين. أيضاً لم يتفق الفلسطينيون!
إسرائيل تفرض سطوتها وتعزز قوتها يوماً بعد يوم على حدود غلاف غزة استعداداً لحرب مقبلة (ساحقة ماحقة) تلوح بها من حين لآخر، ولم يتعظ الفلسطينيون! ما يحدث فقط هو استعراض حماس لقوة كتائب القسام وتقدمها العسكرى واستعدادها للمقاومة والمواجهة، لكن هل سألت حماس نفسها إلى متى سيتحمل سكان قطاع غزة كل هذا العناء والمعاناة والعزلة والحصار والمرض والفقر؟ والسبب الرئيسى هو الانقسام وما تلاه، الذى أضاع البوصلة وشتت الانتباه وأفقد العالم تعاطفه، وفى المقابل إسرائيل تكسب الجولة تلو الأخرى بدعم أمريكى مطلق، ولا يزال طرفا الانقسام يكيلان الاتهامات لبعضهما البعض ويلقيان باللائمة كل على الآخر، ونسيا أن هناك قضية تتآكل رغم كل ما يقال فى العلن حول أهمية التمسك بثوابتها وحقوق أصحابها، لأن ما يقال فى الغرف المغلقة شأن آخر!!