بقلم : جيهان فوزى
بدم بارد أطلق جنود الاحتلال، قبل نحو أسبوع، النار على سيدة فلسطينية فى العقد الخامس من العمر، رغم أنها لم تكن تُشكل خطراً داهماً عليهم -كما ادَّعوا- ولا يستدعى إطلاق النار عليها! فضح الفيديو الذى تداولته مواقع «السوشيال ميديا» ادعاءات الجنود بأن الشهيدة «نايفة كعابنة» أشهرت سكيناً فى وجه الجنود عند حاجز قلنديا الواقع بين القدس والضفة الغربية المحتلتين، فبحسب الفيديو تظهر المرأة وهى تقع مضرجة بدمائها تحاول جر نفسها بعيداً عن موقع الجريمة، ثم لا تُحرك ساكناً، وكانت بعيدة عن عنصرين مسلحين إسرائيليين قبل أن يُطلقا على رِجلها النار ويتركاها تنزف دون السماح بإسعافها حتى لفظت أنفاسها.
هذا المشهد تكرر كثيراً فى السابق، فقد أظهرت فيديوهات أخرى سلوكاً مشابهاً عند جنود الاحتلال، حيث ظهروا وهم يطلقون النار على فلسطينيين لم يكونوا يشكلون خطراً! ولم يردعهم أحد ولم يُقدَّموا للمحاكمة ولم توجَّه لهم أى اتهامات حاسمة تمنع تكرار الجريمة! بل كانت الأسباب والحجج على تلك الجرائم جاهزة لدى الاحتلال (عناصر إرهابية تشكل خطراً على أمن إسرائيل وجنودها!).
حاجز قلنديا من الحواجز الخطرة التى يتحدث عنها سكان المنطقة، ويشبهونه بحاجز الموت، يتعرض الكثيرون ممن يضطرون لاجتيازه للخطر المحقق، فالمرور من خلاله مخاطرة غير محسوبة، متروكة للحظ والقدر، ومع الوقت أصبحت الحواجز الإسرائيلية الكثيفة الموجودة فى الضفة الغربية مصدراً للقتل والاعتقال والضرب والإهانة، وانقلبت حياة البشر والحجر والشجر إلى جحيم لا يُحتمل، من جدران عازل عنصرى إلى حواجز تكاد تلامس كل حى ومدخل مدينة وقرية، وتقييد للحركة والتنقل حتى بين الشوارع والأحياء المحيطة، بما يشل ملامح الحياة ويعطل الناس عن إنجاز أمورهم اليومية، حيث يعانى الفلسطينيون على الحواجز العسكرية من الانتظار الطويل والتفتيش المذل، فلا يتورّع جيش الاحتلال الإسرائيلى عن إجبار أيّ منهم على خلع ملابسه، أو إرغامه على السير على الأقدام لاجتياز مسافات طويلة، إضافة إلى استباحة قوات الاحتلال الدم الفلسطينى، من خلال إطلاق النار المتعمد بحجج واهية، للمضىّ قدماً فى الاستهداف الممنهج للفلسطينيين وتهديد حياتهم.
إسرائيل تنظر إلى كل مواطن فلسطينى على أنه «خطر أمنى» يهدد دولتها العنصرية، ولا يسمح لهم بالعبور إلى مناطقهم وقراهم إلا بعد حصولهم على تصاريح من قِبَل الجنود الإسرائيليين للدخول إليها، من خلال الانتظار فى طوابير طويلة أمام الحواجز العسكرية لانتهاك حقهم فى التعليم والعمل والصحة والتنقل، الحواجز وُجدت لكسر إرادة الفلسطينيين وإعاقة قضائهم لمصالحهم اليومية التى كفلتها لهم المواثيق الدولية، هذه الإجراءات عقوبة جماعية محظورة فى القانون الدولى الإنسانى واتفاقية جنيف الرابعة، حيث لا يلتزم الاحتلال الإسرائيلى بأية اتفاقية، ويواصل ممارسته لإجراءاته التعسفية بحق المواطنين الفلسطينيين دون ردعه دولياً.
الحواجز العسكرية الإسرائيلية كانت، ولا تزال، تمثل عائقاً وسبباً رئيسياً فى تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية والتجارية والاجتماعية والصحية، وعلى مجمل الحياة العامة فى الضفة الغربية، فقد منعت هذه الحواجز نقل البضائع والمحاصيل الزراعية من مدينة إلى أخرى، ما أدى إلى تلفها، كما أدت إلى عزل الفلسطينيين عن بعضهم البعض، وحالت دون وصول الأقارب إلى بعضهم، لتقتصر زياراتهم على الأعياد والمناسبات فقط، كما يُمنع المرضى والنساء الحوامل من الوصول إلى المستشفيات، ليضع عدد من النساء أجنّتهن على الأرض على مرأى من جنود الاحتلال، فى خرق واضح للمواثيق والأعراف الدولية.
إن المتابع لحالات الإعدام الإسرائيلية بحق الفلسطينيين يجدها تقع فى جميع الأحيان على حواجز الاحتلال، وهى حوادث قتل متعمد تقوم بها قوات الجيش الإسرائيلى بحق الفلسطينيين خارج القانون، وبحجج وأسباب واهية، كاتهام الضحية بحيازة سكين أو أسلحة نارية بنية إلحاق الضرر بالجنود المدججين بالأسلحة المتنوعة، لكن السبب الرئيسى من وراء ذلك، أنه يعبر عن عنصرية إسرائيل وكراهيتها للفلسطينيين، وشعورها الدائم بعدم محاسبتها وإفلاتها من العقاب، مع عدم وجود أية إرادة دولية لكبح هذه العنصرية والجرائم المستمرة فى ظل الصمت الدولى!