بقلم : جيهان فوزى
غزة تترقب حرباً جديدة يقيناً لا ترغبها إسرائيل ولا حماس، غير أن الطرفين يلوحان بها من حين لآخر وازداد التلويح بها فى الآونة الأخيرة نظراً للتوترات الحادثة فى غلاف غزة المرتبطة بمسيرات العودة عند السياج الحدودى، القيادة السياسية فى إسرائيل تحرض على الحرب رضوخاً لرغبة الشارع الإسرائيلى اليمينى الذى ينادى بسحق غزة، بينما الجيش الإسرائيلى يحذر من تلك المخاطرة ويرفض شن حرب جديدة على القطاع بسبب تدهور الأوضاع فيه على كل المستويات، وقد ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن قيادة الجيش الإسرائيلى لا تريد حرباً ضد غزة، وحتى إنها حذرت من عواقب حرب كهذه. وتطرق إلى ذلك عضو الكنيست دافيد بيتان، المقرب من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وقال لإذاعة الجيش الإسرائيلى اليوم، إن «المستوى العسكرى لا يعطى دعماً مهنياً لرئيس الحكومة فى إطار التوتر ضد حماس. هل يوجد ردع للجيش الإسرائيلى؟ عن أى ردع يجرى الحديث؟ نحن مرتدعون من حماس».
شن حملة عسكرية ضد غزة مثار جدل لم تحسم أمرها القيادة السياسية الإسرائيلية، لكن ضغوط الشارع تلعب دوراً حيوياً فى اتخاذ القرار السياسى حتى لو كان متهوراً بغية إرضائه. وزير الأمن الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان يتوق لشن حملة عسكرية واسعة ظناً منه أنه سيؤدب حركة حماس، قال «ليبرمان» فى مؤتمر نظمته صحيفة «معاريف» فى تل أبيب يوم الاثنين: «لا يوجد أى احتمال لتسوية مع حماس. وبالنسبة للجيش الإسرائيلى فهو فى أوج قدراته منذ عام 1967. ولا خيار أمامنا سوى إنزال ضربة شديدة على حماس، حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة شاملة». وأضاف أنه «بالنسبة لغزة، لدينا الكثير من التحديات فى وقت واحد. وإذا نظرتم إلى جميع المؤشرات، فإن الإرهاب العالمى كله متوفر وبكل الأنواع. حماس والجهاد فى غزة، حزب الله فى لبنان، والقاعدة فى سوريا، وإيران تقف وراءهم كلهم. وينبغى التعامل مع جميعهم فى الوقت نفسه، والمطلوب هو أعصاب قوية، وقدرة على التحليل والسير فى أكثر طريق آمن وصحيح وبالنسبة لى فى الوقت الحالى، واضح أنه إذا أردت مواجهة التحديات فهذا يعنى (غزة أولاً)، خلافاً لجميع الذين يؤمنون بأنه بالإمكان التوصل إلى تسوية مع حماس».
أغلب الظن أن تصريحاته لا تتخطى حيز الميكروفون الذى يتحدث من خلاله لتهدئة الرأى العام فى إسرائيل، فى الماضى هدد باغتيال إسماعيل هنية ومسحه من الوجود، لكنه لم يفعل وأصبح فى مرمى نيران منتقديه من المسئولين والإعلام والسخرية منه.
أما بالنسبة لحماس فهى لا تريد حرباً لكنها لا تمانع من خوضها إذا اضطرت للانجرار لها، لإعادة التأييد والوهج بعد أن تراجع رصيدها لدى المواطنين. وربما المقابلة التى أجراها يحيى السنوار رئيس الحركة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» التى أكد فيها صراحة أن حماس لا تريد حرباً مع إسرائيل قائلاً: «إما أن يفك الحصار عن غزة وإما الذهاب لتصعيد يطال الجميع»، والتى أشعلت الساحة السياسية ومواقع التواصل الاجتماعى جدلاً وإثارة كونها المقابلة الأولى من نوعها التى يجرى فيها السنوار لقاء صحفياً مع وسيلة إعلام إسرائيلية.
فى خضم هذا التجاذب والترقب تلملم غزة أوراق ذكرياتها عن الحروب الأربع التى قتلت ودمرت وخلفت حكايات مأساوية، الغزيون فى حالة توجس وخوف يفزعها التلويح بحرب جديدة، ما زال دوى الصواريخ وقصف الطائرات وصراخ الأطفال وعويل النساء مخزون الحزن داخل الذاكرة، الناس لا تنقصهم أحزان أخرى تضاف إلى أحزانهم وآلامهم، لكنهم يتهيأون للأسوأ ويستعدون لمرحلة جديدة مع الخوف والألم وسيناريوهات الموت والدمار ومشاهد الدماء، كل بيت يحاول الاستعداد بطريقته لضربات مفاجئة، هل يخزنون الطعام؟ أم يجمعون أوراقهم المهمة التى تدل على هويتهم وسياق حياتهم إذا كان للحياة بقية؟
«غزة أولاً» قالها «ليبرمان» لتدمير ما تبقى من هوية وصمود، تتشابه الأهداف مع ما أنجبته أوسلو «غزة - أريحا أولاً» لتصبح مع الوقت غزة أولاً وأخيراً، فى الماضى بفعل الاحتلال والآن بفعل الجميع.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع