بقلم : جيهان فوزى
بدأ العد التنازلى لفرض «صفقة القرن» التى وعد بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ويبدو أن وعوده نافذة بعد أن نفذ وعده الانتخابى بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، متجاهلاً كل ردود الفعل العربية والدولية، وبعد أن كان يتم تسريب بعض بنود هذه الخطة من حين لآخر فى كواليس الإدارة الأمريكية، بدأ التنفيذ الفعلى والجدى لها بإرسال وفد أمريكى يضم كبير مستشارى ترامب وصهره جاريد كوشنر ومبعوثه الخاص لعملية السلام فى الشرق الأوسط جيسون جرينبلات هذا الأسبوع إلى إسرائيل وقطر ومصر والسعودية والأردن، حيث يناقش الوفد الرؤية الأمريكية لحل القضية الفلسطينية، وكان كوشنر وجرينبلات مهتمين بالحصول على أفكار من مختلف الجهات الإقليمية حول الأسئلة التى ظلت مفتوحة فى خطة البيت الأبيض، خاصة أن الإدارة الأمريكية تريد إعلان خطة ترامب عندما تكون الظروف مواتية ويحين وقتها المناسب.
الوقت المناسب للإدارة الأمريكية جاء من «بوابة غزة» التى تعانى أوضاعاً إنسانية واقتصادية غاية فى الصعوبة، وتعتقد الإدارة الأمريكية أن مشكلة القطاع الحرجة للغاية حلها سريع نسبياً بمجرد الحصول على التمويل اللازم لمعالجة مشكلاتها، ومن هنا تسعى إدارة ترامب لجمع أكثر من نصف مليار دولار من دول الخليج من أجل تنفيذ مشروعات لإعادة إعمار قطاع غزة التى ستنطلق من سيناء بدلاً من القطاع! وجمع الأموال هو بؤرة المباحثات التى سيجريها الوفد الأمريكى، إذ تأمل الإدارة الأمريكية أن تساهم هذه المشاريع فى تهدئة التوترات الأمنية الإسرائيلية مع قطاع غزة وتخلق أجواء إيجابية أثناء عرض خطة السلام الأمريكية لتسوية القضية الفلسطينية، ومن بين الخيارات المطروحة أمريكياً إقامة محطة لتوليد الكهرباء للقطاع، وميناء بحرى فى شبه جزيرة سيناء، فالإدارة الأمريكية تولى أهمية قصوى لأوضاع الطاقة فى قطاع غزة! لذا تنصب المباحثات فى بناء بنى تحتية فى سيناء تخدم قطاع غزة، منها ميناء بحرى فلسطينى فى سيناء ومنطقة صناعية لإنشاء مواد البناء ومنشأة لتحلية مياه البحر، وهى مشاريع من شأنها تحسين الأوضاع الاقتصادية والأمنية فى شمال سيناء وليس قطاع غزة! والهدف من ذلك المساهمة فى تليين الموقف المصرى المعارض الذى أبدته القاهرة مؤخراً، وهو ما دفع أمريكا لمحاولة الحصول على تمويل خليجى.
رغم تسارع الإدارة الأمريكية لفرض صفقة القرن إلا أنها لا تعول على الموقف الفلسطينى الطرف الأهم فى الموضوع، بل تراهن على الموقف العربى، خاصة أن السلطة الفلسطينية قطعت علاقتها مع البيت الأبيض منذ إعلان ترامب اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، والرهان الأمريكى على أن الغضب الفلسطينى سيتلاشى ويخبو مع الوقت وسوف تستأنف المفاوضات بنجاح! بناء على جلسات مكثفة عقدها كوشنر وجرينبلات مع دبلوماسيين وكبار المحللين السياسيين وإعلاميين متخصصين بالقضية الفلسطينية قبيل خطاب ترامب فى السادس من ديسمبر 2017!! غير أن نقطتين أساسيتين تجعلان من الصعب على الفلسطينيين قبول الخطة بل رفضها تماماً، الأولى: افتقار رئيسى للثقة مع الجانب الأمريكى فى إمكانية إخلاء المستوطنات فى المستقبل القريب والميل إلى الاكتفاء بصياغة خطة بعدم التوسع فى البناء الاستيطانى، وقد عبر عن هذا النهج السفير الأمريكى فى إسرائيل ديفيد فريدمان، والنقطة الثانية هى السيطرة الأمنية فى الضفة الغربية، حيث يعتقد المسئولون الإسرائيليون أن الأمريكيين تبنوا بشكل كامل مزاعم نتنياهو بأنه لا توجد وسيلة للحفاظ على المصالح الأمنية الإسرائيلية على المدى الطويل دون السيطرة العسكرية الإسرائيلية فى مناطق السلطة الفلسطينية بأكملها بالإضافة إلى قطاع غزة المحاصر، ومثل هذه الإجراءات تعنى استمرار الاحتلال؟! وبسبب اليأس الأمريكى من الفلسطينيين يعلق كوشنر وجرينبلات آمالهما على العرب خاصة السعودية بهدف ألا يعارض العرب الصيغة التى ستعرض، لكن التحدى الذى يقف أمام السعودية ليس سهلاً فى ظل الضغوط التى تواجهها والاتهامات الموجهة لها بممارسة ضغوط اقتصادية على الأردن لدعم خطة ترامب. إن الرهان الفلسطينى يعول على الرفض العربى لأى مشروع لا يقبله الفلسطينيون استناداً إلى القمة العربية الأخيرة فى السعودية، فاستخدام قطاع غزة مفتاحاً لصفقة ترامب هو تكريس لانفصال غزة وتنازل عن القدس ومقدساتها لن يجرؤ أحد على قبولها أياً كان، الإدارة الأمريكية تسعى لصياغة خطة تعتقد أنه من السهل تسويقها للفلسطينيين، إلا أن المؤشرات والأداء الأمريكى المتماهى مع السياسات الإسرائيلية تشير إلى أن البيت الأبيض بعيد كل البعد من الاقتراب لتصور حل شامل يلبى مطامح ورغبات الفلسطينيين، ويبقى السؤال: هل سيتجند الجميع لإعادة تأهيل قطاع غزة فيما عدا الرئيس أبومازن؟.
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع