بقلم : جيهان فوزى
ذهبت الطفلة البريئة «جنا» إلى من هو أرحم بها من أهلها، غادرت دنيا الوحشية والعنف الأسرى والجهل والتخلف حتى لا تعيش بمأساتها طوال حياتها، الفارق فى قضية «جنا» تلك الوحشية التى مورست عليها من «جدتها» التى تجرّدت من كل معانى الإنسانية، وسقطت فى وحل السادية والجهل والتخلّف، يقال فى أمثالنا العربية «أعز من الولد ولد الولد»! فأين نحن من تلك المأثورات؟ ما حدث لـ«جنا» عرّى مجتمعاتنا العربية وأسقط ورقة التوت عن القوانين الخاصة بحماية الطفل من العنف الأسرى وتهيئة المناخ المناسب لتربية طبيعية سليمة، طفلة لم تتجاوز من العمر خمس سنوات، ذاقت صنوف العذاب والتنكيل على يد جدتها! يا للعجب، كيف طاوعها قلبها المتحجر للنيل من طفلة بريئة لا تعى من أمور الدنيا أكثر من دمية تلعب بها، وأحضان حانية تغمر جسدها الضعيف، فى وقت تخلت فيه الأم عن أمومتها ورحلت، لتستكمل حياتها وتعيش أنانيتها، وتركتها تصارع الوحش الكامن داخل جدتها؟ لا يوجد عذر فى كل قواميس العالم يبرر فعلتها الشنيعة وقسوتها المفرطة لطفلة بريئة لا تستطيع الدفاع عن نفسها أو حتى تفسير ما يحدث لها، فكل جريمتها «التبول اللاإرادى» لتعاقب عليه بمنتهى السادية والتجرد من الرحمة، رغم أنه مرض معرّض له الكبير والصغير، وبدلاً من الاهتمام بالطفلة ورعايتها ومعالجتها يتم تعذيبها والفتك بها.
وما زلنا نذكر الفيديو الذى تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعى لأب مغترب يعيش فى السعودية، وهو يضرب طفلته التى لا تتجاوز العامين بدم بارد وقسوة مفرطة، بحجة أنه يعلمها المشى وهى لا تستجيب! أى أب هذا الذى يؤتمن على أطفاله؟ وأى مجتمعات تلك التى ننتظر منها تربية أجيال واعدة سوية غير مشوهة نفسياً لتبنى وتعمر لا لتقتل وتخرب؟!. لقد نخر الجهل والتخلّف والعنف قيمنا وإنسانيتنا، ولم تعد تتجاوز الشعارات التى نتشدق بها كنوع من التنطع والتنظير المفرّغ من أىّ مضمون، آفة مجتمعاتنا فى حالة الإنكار التى تعيشها، والجهل الذى يسيطر عليها، والازدواجية التى لا يعترف بها، والأخطر غياب القوانين الصارمة الخاصة بحماية الطفل من العنف الأسرى، مثلما فعل الغرب، فهناك قوانين حازمة لا تهاون فيها ولا تساهل لحماية الأطفال من أهلهم إذا أساءوا معاملة أطفالهم، فإذا ساور الشك الجهات المعنية بالطفولة والأمومة فى معاملة الأطفال من ذويهم خارج القوانين أو تعرّضهم لعنف أسرى مهما كانت درجته، وإذا ما خالفت الأسرة القواعد الخاصة بالتعامل مع الأطفال، فإن القانون يسمح دون جدال بأخذهم من أسرهم ليتربوا فى بيئة طبيعية بعيدة عن التعنيف والترهيب.
السؤال أين تلك القوانين التى تحمى الأطفال وتجنّبهم من تكرار العنف الأسرى؟ ماذا فعلت منظمات المجتمع المدنى المسئولة عن حماية الطفولة تجاه ما حدث لـ«جنا»، والذى هز مشاعر المجتمع بأكمله، وغيرها ممن لا نعلم عنهم شيئاً؟ أين وزارة التضامن الاجتماعى من الرقابة الفاعلة؟ ومتى تسن القوانين الصارمة تجاه العنف الأسرى؟ لماذا يترك الأطفال فريسة لسوء معاملة ذويهم؟ ولماذا لا تتخذ الإجراءات الحازمة تجاه أى تجاوز بحق الأطفال؟ أم أننا ما زلنا نخشى معتقداتنا التى لم تستطع الخروج من شرنقة التخلف والعادات والتقاليد البالية؟ نحن بحاجة إلى قوانين مفعلة وحزمة من الإجراءات السريعة، حتى لا تتكرر مأساة «جنا»، وحتى لا نفاجأ بقنابل موقوتة بسبب العنف المجتمعى الذى يبدأ بالأسرة وينتهى بالإرهاب.
وقد يهمك أيضًا: