بقلم-جيهان فوزى
بدا القلق فى إسرائيل واضحاً من تبعات عمليات المقاومة الأخيرة فى الضفة الغربية فى أعقاب التصعيد الأمنى، وبالذات فى رام الله، ومن هنا استبق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مخاوفه وبعث رسائل تهديد إلى «حماس» عبر مصر وقنوات اتصال أخرى مفادها أن إسرائيل لن تقبل بوضع يوجد فيه وقف إطلاق نار فى غزة وبالمقابل اشتعال الأوضاع فى الضفة «إذا لم يسد الهدوء فى الضفة فلن يكون هناك هدوء فى غزة». فلم يكن من قبيل الصدفة أن تتركز سلسلة عمليات المقاومة ضد الإسرائيليين التى تقف وراءها «حماس» فى الضفة الغربية خلال الأيام الماضية وفى منطقة رام الله بالذات، فمن جهة «حماس» الهدف من وراء ذلك هو إحراج السلطة الفلسطينيّة وإجبار أجهزتها الأمنية على الانحياز إلى جانب ما، وقد وصلت الأمور إلى درجة عمل قوات خاصة إسرائيلية على بُعد أمتار قليلة من القطاع توحى بأنها محاصرة. ومن جهة ثانية سنحت لـ«نتنياهو» فرصة ذهبية لإرضاء المستوطنين المتطرفين فسارع بالإيعاز إلى المسئولين بتسوية البناء غير الشرعى فى الضفة وتوسيع مستوطنات قائمة، لأن المستوطنين يشكلون حصن الدعم الأساسى لائتلاف «نتنياهو» اليمينى ويشعرون بتدهور أمنهم الشخصى فهم يريدون أن يلمسوا تغييراً ملحوظاً فى مسألة الأمن، خاصة أن «نتنياهو» يخطو نحو انتخابات مبكرة لا يرغب فى خوضها، فى ظل عدم رضا معظم الإسرائيليين عن الوضع الأمنى وتعاظم وتيرة العمليات الفدائية فيما تتزايد المطالبة والضغوط الشعبية براديكالية الرد الإسرائيلى.
لقد قرر «نتنياهو»، رداً على العمليات الفلسطينية، تسوية المكانة القانونية لآلاف البيوت لمستوطنين فى الضفة الغربية بنوا بدون ترخيص مكافأة لهم وسعياً لإرضائهم، ويبقى السؤال إلى أى مدى يدعم المواطنون فى الضفة الغربية نهج حركة حماس؟ إذا ما أخذنا فى الاعتبار أن العمليات الأخيرة ستؤدى إلى سلسلة من الخطوات الإسرائيلية القاسية فى منطقة كانت هادئة نسبياً لسنوات فى وقت كانت تمور فيه غزة بنيران الحصار والعزلة والحرب، لقد بدأنا نشهد بوادر تلك الخطوات بفرض الحصار والحواجز على رام الله وهو أمر نادر الحدوث وستكون مرشحة للتصاعد. هل سكان الضفة الغربية معنيون بتبادل الأدوار مع سكان قطاع غزة الذين يعيشون تهدئة مع إسرائيل حالياً وفى بداية إعادة تأهيل اقتصادى بمساعدة المنحة القطرية؟ الأيام المقبلة ربما تجيب عن هذا السؤال، غير أن تزايد وتيرة العمليات فى الضفة يعكس سلم أولويات «حماس» واهتماماتها فى الفترة الراهنة، ويؤكد ذلك تصريح يحيى السنوار إبان بلورة التفاهمات مع إسرائيل حول وقف إطلاق النار فى القطاع الشهر الماضى وكان مضمونها يدلل بأن هذه التفاهمات لا تسرى على الضفة الغربية.
ورغم أن الأوضاع الميدانية والأمنية وحتى السياسية فى الضفة الغربية تختلف تماماً عن واقع غزة، فإن شرارة الحراك الشعبى وعمليات المقاومة بدأت تظهر بشكل متقطع منذ مسيرات العودة فى غزة على الحدود مع إسرائيل. الضفة الغربية رغم الواقع الأمنى الصعب وسيطرة جيش الاحتلال بالكامل على مفاصل قراها ومدنها وتعاظم قوة التنسيق الأمنى بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ووصوله إلى مراحل متقدمة وخطيرة، لكنها تعيش على صفيح ساخن وحالة من الغليان قريبة من الانفجار التى يخشاها الجميع، هناك ضغط وغضب شعبى غير مسبوق بسبب ممارسات الاحتلال القمعية والمتصاعدة بحق سكانها من اعتقالات واعتداءات وسرقة للأراضى والقتل بدم بارد، إضافة إلى الدور الذى تقوم به أجهزة السلطة الفلسطينية من خلال نشاطها الأمنى وتنسيقها مع الاحتلال فى القضاء على كل مظاهر المقاومة وملاحقة المقاومين، جعلت من الانفجار مسألة وقت، لأنه ببساطة كثرة الضغوط تولد الانفجار.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع