بقلم : جيهان فوزى
«التحرش الجنسى» مرض العصر، فرض نفسه بقوة على مستوى العالم هذه الأيام، خصوصاً فى السوشيال ميديا التى لا تدخر وسعاً لنشر الفضائح وكشف المستور، من أمريكا إلى السويد إلى فرنسا إلى الدول العربية، قضايا وفضائح تتناقلها وسائل الإعلام عن التحرش الجنسى، الذى أصبح يهز عروشاً ويخرب بيوتاً ويهدم أحزاباً ويدمر مناصب مرموقة، لم يقتصر الأمر على قضايا تحرش يومية يوثقها الشارع، لكنها امتدت إلى دول ومناصب قيادية رفيعة تهدد الاستقرار السياسى والثقافى والمجتمعى.
بسبب التحرش الجنسى لن يكون هناك جائزة نوبل للأدب هذا العام، فقد تعرضت الأكاديمية السويدية التى تمنح الجائزة المرموقة لاستقالات جماعية بعد أن اتهمت 18 امرأة الفرنسى «جان كلود أرنو» وهو شخصية مؤثرة فى المشهد الثقافى فى ستوكهولم لعقود، بالتحرش الجنسى والعنف والاغتصاب، ويخضع الرجل السبعينى للمحاكمة الآن فى ستوكهولم، ويواجه تهمتين تتعلقان باغتصاب امرأة قبل 7 سنوات، فصدور الحكم فى قضيته يتوافق مع انطلاق إعلانات جائزة نوبل لعام 2018، وينذر بإلغاء أو تأجيل منح جوائز نوبل، رغم أن آخر مرة ألغيت فيها جائزة نوبل كانت عام 1943 فى ذروة الحرب العالمية الثانية.
ومن السويد إلى أمريكا، حيث دُشن هاشتاج على وسائل التواصل الاجتماعى «لماذا لم أشتك؟» اكتسح مواقع السوشيال ميديا، وذلك بعد أقوال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب التى صرح بها بعد أن ثارت ضجة عند تعيين القاضى «بريت كافانو» عضواً فى المحكمة العليا، رغم الادعاء بأنه متحرش جنسى، تساءل ترامب ومسئولون فى الحزب الجمهورى عن سبب عدم تقدم الدكتورة «كريستين فورد»، التى صرحت أمام مجلس الشيوخ بأنها تعرضت لتحرش جنسى، شكوى سابقاً عندما كانت فى سن 15 عاماً؟! وذلك قبل 36 عاماً فى أعقاب تلك الحادثة، انتشر هاشتاج #Why I Didn’t Report «لماذا لم أشتكِ» فى مواقع التواصل الاجتماعى فى الولايات المتحدة، وأصبح منتشراً الآن فى إسرائيل أيضاً، وفى فرنسا قضية المطرب المغربى «سعد المجرد» الشهيرة الذى اتهمته فتاة بأنه اغتصبها وبعد محاكمته بعام تقريباً عاد إلى الأضواء فى قضية تحرش جنسى جديدة، وفى مصر تضج مراكز الشرطة بشكاوى مهملة فى الأدراج ضد متحرشين رغم القوانين التى غلّظت العقوبة دون جدوى.
أما فى إسرائيل، فاستناداً إلى تقديرات وزارة الأمن الداخلى تتعرض امرأة من بين ثلاث نساء إسرائيليات إلى تحرش جنسى فى حياتهن، ويتعرض 84 ألف امرأة إلى تحرش جنسى فى السنة، وقد غردت «زوهر ألمليخ» الناشطة النسوية المسئولة عن المبادرة فى «تويتر»: «لم أشتكِ لأنى تعرضت لتحرش جنسى عندما كنت أعمل فى حانة، واختفى المعتدى بين الحضور»، واستدعت متصفحة أخرى قصتها قائلة: «لم أشتكِ لأن المعتدى كان بروفيسوراً مخضرماً مديراً محبوباً فى الإدارة والإعلام، ولم أجرؤ على تلطيخ سمعته، ولم أشعر أنى قادرة على مواجهة الضجة التى ستحدثها القضية»، وتحدثت متصفحات أخريات عن الخجل من استعادة التجربة الصعبة التى مررن بها، «لم أشتكِ لأنى خجلت من الإباحة أنى تعرضت لتحرش جنسى، وشعرت بأنى مذنبة لأنى زرته فى منزله، ولم أصدق حقاً أن المسئولين سيهتمون بالقضية»، هكذا غردت ضحية اغتصاب من بين المشاركات الكثيرات، ويمكن العثور على شهادات خطيرة كثيرة تعرضت فيها المشتكيات لصعوبات عند التوجه إلى المحاكم، «لم أشتكِ لأننى دافعت عن نفسى لاحقاً وتغلبت عليه!. احتفظت بطاقاتى من أجل العلاج النفسى.. إلخ».
وفق بيانات منظمة الصحة العالمية، فإن نحو 35% من النساء فى العالم يتعرضن لتحرش جنسى جسدى خلال حياتهن، مَن لم يجتز تجربة التحرش الجنسى، لن يفهم مدى صعوبة التحدث عن الموضوع، لا تهتم الشرطة بمعالجة قضايا التحرشات الجنسية، لهذا فإن الهيئات المسئولة غير قادرة على فهم النساء اللواتى يتعرضن للتحرش الجنسى، من المفهوم ضمناً أنه يجب تصديق تصريحات الرجال والتفكير أن النساء يكذبن لمصلحتهن.
نقلًا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع