بقلم: جيهان فوزى
عندما دعا الرئيس الفلسطينى محمود عباس إلى إجراء انتخابات تشريعية بعد تولِّيه الرئاسة مباشرة عام 2005 وفازت حركة حماس بأغلبية المجلس، كتبت حينها مقالاً بعنوان «حماس والمستقبل»، استبشرت فيه خيراً، وتفاءلت ببدء مرحلة جديدة قد تطوى صفحة ترهُّل وفوضى فى تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، وذلك نظراً للمشروع التنموى المتوازن الذى أطلقته فى برنامجها الانتخابى، لكن سرعان ما تبدَّد هذا التفاؤل، وتحوَّل إلى تشاؤم يملأه الخوف من القادم المجهول، بعد الصراع المرير والاشتباكات المسلحة بينها وبين حركة فتح، والكر والفر الذى أدى إلى اليوم الأسود فى تاريخ الفلسطينيين، حين انقلبت «حماس» على الشرعية فى منتصف عام 2006، وأعلنت نفسها وصياً على قطاع غزة بعيداً عن السلطة الشرعية، أى بعد عام من الانتخابات التى لم تكن قد التقطت أنفاسها بعد، ولم ترسُ فى ميناء يحدد هوية السياسة الفلسطينية المستقبلية، ومنذ ذلك الحين والانقسام الفلسطينى يبدد كل أمل فى حل قضية الفلسطينيين، أو حتى إنجاز مصالحة فيما بينهم، طال أمدها، وما زالت مستمرة منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً، جعلت من قطاع غزة كنتوناً معزولاً عن العالم يحمل كل مقومات الانفجار والتهديد.
الآن وبعد تلك السنوات العجاف التى لم تحطّ رحالها بعد، يعلن الرئيس الفلسطينى عن نيته إجراء انتخابات عامة وشاملة، وطلب من لجنة الانتخابات الإعداد لانتخابات تشريعية، تليها انتخابات رئاسية، بينهما فارق زمنى بسيط، وإن كان لم يُحدد حتى الآن موعدٌ للانتخابات أو الفارق الزمنى بشكل نهائى، وكان الرئيس عباس قد قال خلال خطابه بالأمم المتحدة إنه سيصدر مرسوماً رئاسياً للانتخابات العامة فى الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، محمِّلاً الجهة التى تعطل الانتخابات المسئولية أمام المجتمع الدولى.
ينتابنى شعور بأن التاريخ يعيد نفسه، وأن التجربة القاسية التى تعرض لها الوطن الفلسطينى بمحنة الانقسام لم يتعلم منها القادة بعد، المشهد السياسى الفلسطينى غير مستقر، ولا يستند على أرضية صلبة جامعة تلتف حولها الفصائل الفلسطينية، بل تعمه الفوضى والانقسامات والصراعات الداخلية، وحتى بين الأجنحة السياسية والعسكرية هناك خلافات جوهرية حول ملفات عديدة، أهمها كيف تدار المعركة مع إسرائيل؟ ومن ثَم فإن سلسلة الخلافات والتذمر قد تسربت إلى عمق الفصائل الفلسطينية، وأهمها حركة فتح باعتبارها أكبر الفصائل تاريخاً وحجماً وحضوراً، فالخلافات والانقسامات داخل الحركة كبيرة، وبالذات بعد أن شكَّل القيادى محمد دحلان العدو اللدود للرئيس الفلسطينى حزباً وسطاً جديداً سماه «التيار الإصلاحى»، لكن المقلق هنا هو مضمون الدعوة للانتخابات من قِبل الرئيس، التى تبدو غامضة ومجهلة وفضفاضة، خاصة بعد الموافقة السريعة من حركة حماس التى أعقبت الإعلان عن الانتخابات! ولا ننسَ أن هذه الدعوة يعترضها العديد من العقبات الفلسطينية الداخلية فى ضوء التشرذم الذى وصلت إليه حالة الفصائل، فضلاً عن حالة السخط العام، وعدم الاستقرار الذى يجتاح المجتمع الفلسطينى.
ليس هناك خلاف على ضرورة الانتخابات الفلسطينية، فهى مطلب شعبى قبل أن يكون رسمياً بعد حالة السقوط المريع الذى مُنى به الفلسطينيون بفعل الانقسام والخلافات الداخلية، وتأثيره الشديد على حياة الفلسطينيين داخلياً وخارجياً، والأزمات الحقيقية التى تعصف بالقضية الفلسطينية، والتدهور الحاصل فى غزة والضفة، إلى جانب التآمر الأمريكى الإسرائيلى لتصفية القضية بإنجاز «صفقة القرن»، التى تحتاج مواجهتها إلى كيان فلسطينى صلب وموحد، غير أن إجراء انتخابات جادة فى مرحلة مفصلية يتطلب تنسيقاً شاملاً بين مؤسسات الدولة بمجلسها الوطنى ومنظمة التحرير وأجنحتها ومؤسسات السلطة، للحوار والنقاش لوضع الأسس والإطار التنظيمى لهذه الانتخابات وكيفية إجرائها، وطبيعة النظام الانتخابى، والتشاور مع الكتل والفصائل حولها، وهو ما يثير الشك فى نوايا «عباس» حين دعا للانتخابات. إن أعظم القلق هو إعادة إنتاج انتخابات عام 2005 التى لم تُهيأ لها الظروف ولا المناخ السياسى، فكانت النتيجة فوزاً ساحقاً غير متوقع لحماس، التى بدورها ساهمت بشكل رئيسى فيما آل إليه الوضع الفلسطينى البائس الآن.