بقلم-جيهان فوزى
جنازة مهيبة وقلوب حزينة وعيون باكية انطلقت تجوب شوارع مدينة خان يونس جنوب غزة تودع شهيدة الإنسانية «رزان النجار» المسعفة الفلسطينية المتطوعة التى دفعت حياتها ثمناً لمداواة جراح مصابى مسيرة العودة، ذهبت رزان 21 عاماً واختفت ابتسامتها البريئة التى كانت تخفف آلام الجرحى وتضمد أوجاعهم منذ انطلاق مسيرات العودة فى غزة، ابتلع الموت حيويتها ونشاطها وطموحها وتفاؤلها بغد أفضل ستشرق عليه شمس الحرية يوماً ما، هل كانت تتوقع وداعها بهذه الحفاوة؟ هل كانت على موعد مع من سبقوها من الجرحى الذين داوتهم ولم تكتب لهم النجاة؟ هل فكرت يوماً وهى تؤدى واجبها الإنسانى الشجاع على خط المواجهة بأن ثمة رصاصة ربما تخطئ طريقها لتستقر فى جسدها النحيل؟ هل تخيلت هذا اليوم فوجف قلبها لثوان مترددة، فتباطأت عن الاندفاع نحو المواجهات لتتفادى الرصاص الذى يمر فوق رأسها؟ لم يحدث. ولم تتردد لحظة فى تلبية نداء الواجب وإسعاف المصابين مهما اقترب منها الخطر والتف حول عنقها ليخنقها، بل كانت لا تعرف الخوف ولا تهاب الموت! تلك هى رزان التى يعرفها الجرحى والمسعفون والأطباء وزملاؤها وأسرتها، كان حلمها أن تعود إلى مسقط رأسها فى قرية سلمة قضاء مدينة يافا المحتلة، لكن القدر لم يمهلها، فرصاص الغدر الذى اخترق صدرها قضى على حلمها فى العودة، وتركت مفتاح العودة لمن يحمل الراية من بعدها.
جيش الاحتلال يتهم حماس بالمسئولية عن استشهادها والادعاءات جاهزة، فهناك مسلحون فلسطينيون كانوا يهاجمون قواته على طول الحدود بالرصاص وقنبلة يدوية؟! نيكى هايلى، مندوبة أمريكا فى الأمم المتحدة، تبرر لإسرائيل جرمها المشهود متذرعة بأنها فى حالة دفاع عن نفسها وحدودها من إرهاب حماس، وهى الوحيدة التى رفعت يدها بالموافقة على مشروع يدين حماس لم يوافق عليه أحد، فكان مشهداً يدعو للخجل! ولم تكترث لإصرار جيش الاحتلال على خرق كل المعاهدات الدولية والاتفاقات التى تسعى لحماية المسعفين أوقات النزاعات، فتعطى لنفسها الحق بالتصويت ضد أى إجراء يعاقب دولة الاحتلال بحق النقض «الفيتو»! بينما الجامعة العربية تشجب وتستنكر وترفض، ومواقع التواصل الاجتماعى تشتعل غضباً وحزناً وإشادة بمناقب «الشهيدة الملاك»، وبعدها يمر المشهد سريعاً ويطويه النسيان، فهناك ملفات أهم وأخطر لينشغل بها العالم عن «توافه» مسيرات العودة وسقوط الشهداء والجرحى بالآلاف منذ انطلاقتها فى شهر مارس الماضى!! ملف إيران النووى وحرب تقسيم وتفتيت سوريا وجنون التصريحات المتخبطة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وآخرها التى يتهم بها كندا بأنها خطر على الأمن القومى الأمريكى! فالعالم كله يجب أن يدور فى الفلك الأمريكى وإلا فالعصا تسبق الجزرة.
لائحة طويلة من الإعدامات الميدانية التى ينفذها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين تعبر عن هويته الإرهابية، ويبدو أن هذه الجرائم وفقاً للمعيش فى عالمنا الذى لا يعترف إلا بسياسة القوة وفرض الأمر الواقع، فإن القضية الفلسطينية تلفظ أنفاسها بعد أن أصبحت ردود الفعل لا تخرج عن الشجب والإدانة وقرارات أممية مصيرها الأدراج المهملة، فلا بأس من بعض دموع تذرفها العيون، وما إن ينتهى المشهد الجنائزى المهيب الذى يوجع القلوب يذهب كل إلى طريقه ومحطته المجهولة فى رحلة الانتظار، أما شهيدة الإنسانية «رزان النجار» التى لأول مرة يكتب موقع فيس بوك المنحاز لإسرائيل على صفحتها جملة «رزان فى قلوبنا»! فى سابقة لم تحدث من قبل، فإن هذا الإجراء يعد الأول من نوعه! أن يكتب موقع فيس بوك على صفحة شهيد فلسطينى استشهد برصاص قوات الاحتلال جملة من هذا النوع لهو دليل دامغ على مصداقية الحدث وبشاعة الجرم الإسرائيلى الذى تجاوز كل المواثيق والأعراف الدولية، الشهيدة «المسعفة رزان» لن تكون الأخيرة وكذا دماء الأبرياء فى يوم العودة المنتظر.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع