توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عيد المرأة هو مقعد فى الشمس

  مصر اليوم -

عيد المرأة هو مقعد فى الشمس

بقلم : تمارا الرفاعي

  علقت على حائط مكتبى لائحة بأيام عالمية يقوم الإعلام بالاحتفال بها، أو بمعنى أدق يذكر الإعلام بموضوعها عندما يأتى ميعادها. ويصادف هذا الأسبوع اليوم العالمى للمرأة، وهو يوم أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة كتاريخ ثابت ما إن يرن جرسه حتى تحتشد المحافل السياسية والثقافية والفكرية بمواضيع خاصة بحقوق المرأة، وتفرد الصحف المطبوعة والمنابر الافتراضية مساحات لإبراز إنجازات نساء تفوقن فى مجالاتهن، فتلك التى تبوأت مناصب عليا فى حكومة بلدها، والثانية التى سجلت براءة اختراع، والثالثة التى ألفت كتبا أدبية، والرابعة التى أصبحت نجمة سينمائية، وغيرهن من السيدات اللواتى تركن أثرا فى الفضاء العام بفضل إنجازاتهن.

لكن بعيدا عن الرسميات، لا يبدو أنه يتم الاحتفال بالمرأة فى يومها العالمى، بمعنى أننى لم أشعر يوما أن ثمة من يحتفل بى، كما أننى لم أحتفل أنا نفسى بأى امرأة أعرفها، بمعنى أننى لم أبارك قط لصديقة بيومها، يومنا، يوم المرأة هى وأنا وغيرنا، وذلك على عكس أيام أخرى كعيد الأم مثلا حين تزدحم محلات الورد والهدايا بمحتفلين هم فى طريقهم إلى زيارة أم، أمهم أو أم غيرهم ليهنئوهن بيومهن الخاص.

لماذا لا تحتفل النساء بيومهن؟ دعونا نتخيل أبعاد الاحتفال، كأن تأخذ المرأة ذلك اليوم كيوم راحة تامة سوف تقضيه كما تحب. ها هى إذا تمضى بعض الوقت فى الصباح فى احتساء القهوة من فنجان كبير. هى تجلس فى كرسى مقابل الشباك وتشرب القهوة فى رشفات صغيرة وبطيئة، على عكس الأيام العادية التى تبتلع فيه الشراب وهى تبدأ مهامها. اليوم ما زال فى أوله لكنه يومها وسوف تقضيه كما تشاء دون مسئوليات.

تخرج المرأة إلى الشارع فتقف دقائق فى شمس شهر مارس، شمس الربيع. لا هدف لديها من الخروج سوى أن تستمتع بجو يندر توازنه فى أيام كثيرة ثانية، فلسعة آخر الشتاء سرعان ما ستذوب فى شمس خلعت عنها رداء الخجل وبدأت بالتمختر فى السماء. تتمشى المرأة وتنظر إلى فوق، حيث تركت طائرة مرت من هنا خطا أبيض يقسم الزرقة فوق رأسها. تجلس على مقعد فى الشارع وتنظر إلى المارة. ها هى بائعة الخضار ترص خيرات الأرض أمامها. هو يومها أيضا، تدعوها لتجلس قربها على المقعد فى الشمس فتنصاع البائعة تاركة لقمة العيش على الرصيف. تركن ظهرها على ظهر المقعد وتنظر أمامها.

لحظات وتمر من أمام المرأتين الدكتورة صاحبة صيدلية الحى. أهلا أهلا صباح النور، إلى أين العزم؟ كيف ذلك يا دكتورة، تفضلى هنا بقربنا فاليوم يوم المرأة وهو يوم إجازتنا. ترمقهما الدكتورة ففى ما سمعته بعض الغرابة لكنها تجلس فعلا هى الأخرى قرب المرأتين. ها هى عاملة النظافة تقترب منهما فى طريقها إلى عمارة فى آخر الشارع. تفضلى اجلسى يا أم ليلى فاليوم يوم المرأة العالمى. ترفع عاملة النظافة حاجبا باستغراب وتلمع عيناها بسؤال تجيبها عليه السيدات الجالسات: اليوم يومك، يقلن وهن يلتصقن أكثر ببعض لإفساح مكان تجلس عليه الأخيرة.

تعدل الجالسات من جلستهن مرة أخرى إذ لمحن أم الأطفال وهى تقترب من المقعد بعد أن أوصلت أبناءها إلى المدرسة الابتدائية فى الناحية الثانية من الحى. تتساءل عم يفعلنه السيدات الأربعة ملتصقات على كرسى دوما يشغله رجال الحى فيؤشرن لها بالجلوس معهن. بلحظة ما تجلس الأم بينهن تنتبه أنها المرة الأولى التى تتوقف فيها عن الحركة فى هذه الفترة الصباحية، وهى الفترة الأكثر ازدحاما من يومها، ففى الصباح يكون لديها ساعات قليلة تجرى فيها على عملها ثم على ترتيب بيتها وتحضير الطعام. هل فعلا هناك من يجلس هكذا على مقعد خشبى فى الشارع فى يوم عادى وينظر إلى المارين ويتدفأ بشمس الربيع، وكأن الحياة هى جلسة سمر مع صديقات لا شىء وراءهن سوى الاستمتاع بصداقتهن فى الربيع؟

إنه اليوم العالمى للمرأة، تقول صاحبة الصيدلية، فترمقها بائعة الخضار نصف ساخرة. ماذا يعنى ذلك؟ يعنى هل يتضمن الاحتفال بيعا أوفر اليوم؟ هل أعود فأجد البيت نظيفا لأن أحدهم تولى المهمة؟ تمتعض أم الأطفال، تطلب ألا تنكد بائعة الخضار عليهن الاحتفال. أى احتفال، تسأل بائعة الخضار. احتفالنا هو أن نبطئ من إيقاعنا فنجلس هنا ننظر إلى حياة الصباح تمر أمامنا فنلتقط تفاصيلها وكأننا ضغطنا على زر جهاز التحكم، ترد أم الأطفال. الإبطاء أصلا فن يا سيدات. أن نجلس لحظات نأخذ فيها أنفاسنا هى هدية يجب أن نفتحها اليوم تحديدا، يوم عيد المرأة. يمضى الصباح من على المقعد فى الشارع دون أن يقدم أحد حتى وردة للدكتورة أو للبائعة أو للاثنتين الأخريين.

 اليوم العالمى للمرأة هو يوم أحتفل بصديقتى أيا كانت، أحتفل بصداقتنا وبمساندتها لى، امرأة لامرأة، ونحن نجلس على مقعد دون هدف ننظر إلى الحياة. هو يوم بائعة الخضار وعالمة الذرة معا. هو يوم تجلس المرأة بعض الوقت على هامش الازدحام لتفكر قليلا بحياتها وبنفسها، لأن باقى أيام السنة يكون المقعد محتلا من قبل رجال فى الحى. كل عام وهى بخير.

  نقلًا عن الشروق القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيد المرأة هو مقعد فى الشمس عيد المرأة هو مقعد فى الشمس



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon