توقيت القاهرة المحلي 05:04:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العالم يحتاج إلى كل شيء

  مصر اليوم -

العالم يحتاج إلى كل شيء

بقلم - تمارا الرفاعي

«يحتاج العالم إلى كل شىء ليكون عالما» يقول مثل فرنسى للتأكيد على التنوع والاختلافات بين الأشخاص والشعوب والدول والجغرافيا والسياسة وغيرها. هو مثل يستخدم عند الاختلاف بالرأى، أو عندما يحتدم النقاش حول موضوع إشكالى تنقسم فيه المواقف بشكل حاد، مع وضد بشكل إقصائى لا يرى كل طرف فيه مكانا للآخر. حينها يختم أحدهم النقاش بهذه الجملة لتهدئة النفوس وللانتقال إلى موضوع آخر أقل إثارة للانفعال.
• • •
يعود المثل إلى الواجهة عند كل أزمة رأى عام، كتلك التى دارت فى الأسبوع الماضى حول حادث طعن الكاتب سلمان رشدى. أن تشتد المواقف حول الأمور الدينية ليس بالجديد على منطقة ما زالت حرية الاعتقاد والممارسات الدينية فيها غير مكفولة. أن يلجأ أطراف النقاش إلى العنف اللفظى أيضا ليس بغريب على منطقة وعقليات لم تحددها ضوابط قانونية ومجتمعية تكفل حرية التعبير وتعرف حديث الكراهية. وهذا حديث طويل ليس المقال مكانه اليوم.
• • •
اتهمنى صديق أخيرا أننى توافقية، بمعنى أننى لا أقاتل كفاية ولا أصطف بشكل حاسم برأيه، استخدم الوصف وكأنه انتقاد. فكرت بموضوع الهويات القاتلة التى وصفها الكاتب اللبنانى أمين معلوف حين أعاد تركيب الهوية اللبنانية المعقدة واعترف أنها، أى الهوية اللبنانية، لا يمكن إلا أن تكون إقصائية ودرامية بسبب الأحداث التى عصفت بلبنان وبسبب فقر الحياة السياسية المبنية بالأساس على توازن طائفى هش.
• • •
تساءلت إن كانت هويات تعتمد على الدين والطائفة بل والمنطقة هى بطبيعتها هويات إقصائية للآخر، أم إن كان من الممكن أن تتعايش ضمن منظومات تعطى للجميع حق التعبير والممارسات الدينية شريطة ألا تتجاوز أطرا تنظم المجتمع والعلاقة بالدولة. ثم عدت إلى تركيبة أصغر وأبسط فنظرت إلى أولادى حتى أفهم كيف يمكن لثلاثة أطفال يعيشون فى نفس البيت أن يكونوا مختلفين فى شخصياتهم وطريقة تعاطيهم مع ما حولهم لهذه الدرجة. عدت إلى حياتى اليومية معهم والنقاشات التى أخوضها حتى أفسر لهم قرارات آخذها بالنيابة عنهم وقد يعترضون عليها.
• • •
عدت إلى أصغر دائرة وهى العائلة حتى أفهم إمكانية أن أرسى قواعد تنطبق على الجميع رغم اعتراضاتهم المتفاوتة وتكفل لهم حرية الاختيار وحرية التعبير وتكفل لى إمكانية أن أضبط النقاشات حين نختلف. هو تمرين غاية فى الصعوبة! جزء من التعقيد يكمن فى توقعاتى كأم وفى تركيبة عقلى التى هى أصلا نتاج تفاعلى مع المجتمع الذى عشت فيه، ثم سنوات من محاولات التغيير.
• • •
كل هذا التعقيد، ثم يقال إن العالم بحاجة للاختلافات حتى يكون عالما!
من على الكرسى الحقيقى أدخل عالما افتراضيا أقرأ فيه تعليقات عن السياسة والدين والجنس وحتى وصفات المطبخ. لقد أعطى العالم الافتراضى لكثيرين، ممن كان يلجمهم الخوف أو الخجل أو التردد، أعطاهم فرصة للتواصل والنقاش والتعبير عن مواقفهم ومشاعرهم. من موقعى على الكرسى أقرأ التعليقات وأستغرب أحيانا من حدتها ثم أرد على بعضها بازدراء أيضا وأغضب من ردود أراها فقيرة أو لزجة. الكرسى يسمح لى أن أخوض نقاشات مع ناس قد لا أتقاطع معهم قط فى العالم الحقيقى لكنى قد أنتمى إلى مجموعاتهم ولو بشكل آنى أمام مواقف عامة نأخذها معا ثم نفترق أمام مواقف أخرى لا نتفق عليها.
• • •
من على الكرسى بإمكانى أن أكون فى أى مكان فى العالم وأبحر فى الفضاء الأزرق إما إبحارا سلسا أو عاصفا. أعترف أننى أظل منبهرة بقدرة أدوات التواصل الاجتماعى على الحشد وخلق مساحات للنقاش رغم القيود المفروضة من قبل الأنظمة السياسية والأمنية والدينية والمجتمعية. أرى فى ذلك إغناء للبشرية وأخيرا مساحات لا تنقض عليها السلاسل الأمنية كما تريد.
• • •
لا مجال للعودة عن مكاسب السنوات الأخيرة فى التفكير والتعبير والتواصل. فحتى مع تحديات النقاشات الافتراضية وإمكانية خروجها عن كل الأعراف بل وإمكانية تحولها إلى عنف فعلى فى العالم الحقيقى، إلا أن ما فتحه الفضاء الافتراضى من مساحات فى العقول هو من أكثر ما استفاد منه البشر. حتى عند مواجهة من نختلف معهم، فبإمكاننا أن نرتدى «عباءة الاختفاء» وأن نخوض مشاحنات لم يعرف كثير منا من قبل أين نخوضها.
• • •
وهكذا يظهر العالم على أنه مكان كالبحار السبعة فى قصص الخيال: فيه كل الأشكال والألوان وعكسها، فيه من الحياة المفضوحة كما فيه الحياة السرية، فيه من الكائنات الكبيرة والصغيرة، الوديعة والمفترسة ولا كتالوج كامل لكل ما فى الفضاء. يحتاج العالم لكل شىء كى يصبح عالما، ويحتاج للكثير من الحنان كى يصبح عالما يعاش فيه. من على الكرسى الذى أحتله صباح كل يوم، أفكر فى تعليق صديقى أننى غير مقاتلة بنظره، وأقرر أن ثمة آخرين يقاتلون فى كل المجالات، وأننى ربما سأكتفى بالإدلاء بدلوى حين يكون لتفاعلى دور بناء. ثم سرعان ما أعدل عن قرارى: سوف أطلق العنان لتفكيرى فيما هو ممكن، وأستخدم الفضاء الافتراضى حيث يسمح بما لا تسمح به أنظمة المنطقة السياسية والمجتمعية حتى أدفع بالنقاش أكثر قليلا فى كل مرة، علها تكون مساهمتى فى التأكيد أن العالم يحتاج لكل شىء فعلا وليس للقياس الموحد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم يحتاج إلى كل شيء العالم يحتاج إلى كل شيء



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon