توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان فيروز وشام نزار وأولادى

  مصر اليوم -

لبنان فيروز وشام نزار وأولادى

بقلم :تمارا الرفاعي

عدا عن الأيقونة، لم أر فى الصورة سوى الكنبة بقماشها المزركش على شكل أوراق الشجر وورود بألوان خريفية. وقفت السيدة فيروز تستقبل الرئيس الفرنسى على خلفية تعليقات كثيرة ملأت الفضاء الافتراضى وأعادت، كما فى كل مرة تكون فيروز فيها موضوع الحديث، أعادت كلمات أظن أن معظمنا يحفظها ويدندنها بتلقائية.
***
فى الصورة ظهر داخل بيت يشبه بيوتا كثيرة زرت أصحابها، حتى أننى حين أصف بيتا تعيش فيه أسرة متعددة الأفراد أبدأ دوما بغرفة جلوس كتلك التى تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعى. كنبة بثلاثة مقاعد، ألوان مريحة، جدران عليها لوحات لا أذكر تفاصيلها إنما أضفت قصصا على الحائط. بعض النثريات التى تجتمع دوما على طاولات البيوت. أيضا لا أذكر التفاصيل إنما أتخيل طاولة فى ركن الغرفة عليها بعض الصور لأطفال العائلة فى إطارات يغطى بعض منها الآخر، مزهرية ربما من الزجاج الملون فيها ورد، كتاب، من تركه هنا؟ أليس للكتب أماكنها على الرفوف؟
***
الغرفة مضاءة بأنوار جانبية كما أذكر، تعطى للمكان حميمية لا يمكن للنور المباشر المعلق فى السقف أن يخلقها. ثمة مرآة فى مدخل الغرفة على الأغلب. أم ترانى أصف بيت عائلتى أو بيت عائلة أخرى؟
***
أظن أن فيروز تمثل لبنان الذى أحبه الكثيرون فى أغانيها وربما لم يعيشوه. وغرفة معيشة فيروز التى انكشفت على الملأ بسبب الزيارة الرسمية تمثل بيتا لعائلة كما أحببناه فى المسلسلات أو فى القصص. أظن أن هناك نوعا من «أيقنة» دخلت على لبنان كما وصفته فيروز للبنانيين أولا ثم للعالم، مثل دمشق التى حملها نزار قبانى فى قلبه فخلق بقصائده مادة بصرية ألم بها حتى من لم يزر دمشق قط.
***
لبنان فيروز ودمشق نزار فيهما قطعا بعض الحقيقة، فى تفاصيل نقلاها فخرجت من لبنان ومن دمشق وتخيل لمن استلمها أنه بات يعرف المكانين. اليوم، وبعد سنوات من التخبط والدمار تظهر كلمات أغانى فيروز وشعر نزار طوال الوقت فى الفضاء الأزرق وتكتب بعض جملهما على بطاقات المعايدة أو تذيل بها لوحات وأعمالا فنية. لا شك أن للبنانيين والدمشقيين تصورهم الخاص عن الجبل فى لبنان وحكاياته والياسمين فى دمشق ورائحته، فهما موجودان فعلا وليسا من نسيج الخيال. لكنى أصبحت غير متأكدة من باقى القصص التى حملها نزار وفيروز. اليوم تغرق المنطقة فى لعنتها أكثر من ذى قبل، أو هكذا يبدو من حجم الدمار من حولى، دمار الحجر والبشر، فأبحث عن جبل الأول وعاصمة الثانى بين الركام.
***
فى غرفة معيشة فيروز سكينة من يجلس فى ركن يراقب العالم وفى يده كوب من الشاى. فى غرفة جلوس فيروز أرى أطفالا لبسوا لبس النوم وجلسوا يشاهدون حلقة من مسلسل قديم. عشاؤهم خبز وجبنة وبعض شرائح الخيار، انتهوا من واجباتهم المدرسية ولعبوا كرة القدم أمام عمارتهم مع أولاد الجيران، ثم عادوا إلى البيت واغتسلوا قبل النوم.
***
هو مساء عائلى غير حافل سوى بالتفاصيل الحياتية اليومية. تفاصيل صارت بعيدة المنال كما هو جبل فيروز وشام نزار. أتساءل كثيرا إن كان العادى صار ترفا وإن كان من سبقنا قد ألف قصصا عن آخر ليالى الصيف وموسم العودة إلى المدارسة دون قصد أم أن تلك الأيام التى عاشوها كأفراد وكجماعة انتهت حين انتهت ضيعة فيروز وسرب حمام نزار قبانى.
***
أصر أن يسمع أولادى أغانى فيروز وأن يتعلموا رقص الدبكة، أرفض التعامل مع ابنتى بلغة غير اللغة العربية، أفرض عليهم قصتى وصورتى، هل أجبرهم بذلك على تبنى سرديتى؟ أريدهم أن يروا أشياء كما رأيتها، أريدهم أن يحبوها وأن تكبر معهم فتصبح جزءا منهم أيضا. لا أعرف إن كانوا سيزورون لبنان أو دمشق لكنى أريدهم أن يتحدثوا عنهما كما لو كانوا يعرفونهما. أريدهم أن يتذكروا غرفة معيشة تشاركوا فيها كنبة ألوانها دافئة، فى ركن منها الطاولة ضمت صورا لهم فى طفولتهم.
***
أشعر أحيانا أننى أكتب لهم ذكرياتهم فأنظر إلينا وكأنى خارج الغرفة فأرانا من الشباك: أم كثيرة التعليق على تصرفات أولادها، طفلة صغيرة تعرف أنها حين ترتمى فى حضنى يكاد قلبى أن يخرج من مكانه ليحتضنها. الطفلان فى لباس النوم ماذا يتذكران من هذا المساء العادى؟ كم كانت أمنا تصر على النظام، لكنها كانت حين تسمع أول نقرة موسيقى لأغانٍ قديمة كانت تتحول إلى شخص آخر وتتمايل وتحاول أن تشرح لنا كلمات صعبة من أشعار كانت أمنا تحفظها وتصر أن نحفظها.
***
طلبت منى صديقة أن أدع أطفالى يأخذون مما حولهم ما يريدون دون أن أفرض عليهم قصصى. فكرت كثيرا وحاولت أن أتبع نصيحتها، ثم سألت نفسى عمن أريدهم أن يحدثونى عنه حين أصبح سيدة متقدمة فى السن سمعها ثقيل تجلس على كنبة قماشها خريفى اللون. أريدهم أن يقرأوا لى الشعر ويحكوا لى عن دمشق كما أتذكرها وكما لم يعرفوها. أريدهم أن يحكوا لى قصصى فى غرفة معيشة فيها من التفاصيل الحياتية مقدار عمر كامل من القصص. أريد غرفة معيشة كغرفة فيروز.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان فيروز وشام نزار وأولادى لبنان فيروز وشام نزار وأولادى



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:26 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"
  مصر اليوم - رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز غلوب سوكر

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 23:31 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

توقيف سيدة تُدير شبكة دعارة داخل شقة سكنية في السويس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon