توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عيد غير كل الأعياد

  مصر اليوم -

عيد غير كل الأعياد

بقلم : تمارا الرفاعي

 يفاجئنى عيد شم النسيم فى مصر كل سنة ببهجته وطقوسه وتعلق من حولى به. أكتشفه كل عام من جديد من خلال قصص أسمعها من الأصدقاء وألوان تظهر من حولى فتغطى على اللون الرمادى الشائع فى المدينة. تحضر سعاد حسنى كل الاحتفالات بأغنيتها الشهيرة عن الربيع، وترفرف فساتين البنات الملونة على مراجيح تطير إلى السماء وتعود وسط ضحكاتهن. يوم شم النسيم لونه وردى وأصفر وأخضر فستقى وأصفر فرح وأزرق سماوى يذكرنى بألوان الملبس فى العيد. هو يوم يحضره أيضا عبدالحليم فتراه يحوم فى الخلفية قبل أن يتمركز وسط خشبة المسرح ويعلن «هل الربيع الجميل». هو يوم يلتقط فيه الناس صورا لأطفالهم بين الزهور وللجدات وهن جالسات على مفارش على العشب.

إن كان بإمكانى أن أختار يوما فى السنة يعبر عن مصر التى فى خاطرى (وفى خاطر الكثيرين) فهو يوم شم النسيم. وبصفتى مصرية فخرية، بحكم زواجى من رجل مصرى، فأنا أجزم أنه لا يمكن لغير المصريين أن يستوعبوا أهمية يوم شم النسيم فى الثقافة المصرية إن لم يعيشوه فى مصر وليس فقط مرة واحدة إنما قد يحتاجون إلى أن يحتفلوا به عدة مرات حتى يلموا بعاداته وبتركيبة طقوسه وأصولها.

شم النسيم عيد غير كل الأعياد. يذكرنى بعيد الشكر فى أمريكا الشمالية، فهو عيد لكل المصريين، كما عيد الشكر لكل الأمريكيين. عيد لا يحدده دين أو طائفة، عيد عابر للأديان والمعتقدات والطبقات الاجتماعية، عيد يمسح على الوجوه فتبرق العيون وتبتسم الأفواه وتدندن نغمات ترقص على إيقاعها القلوب. وكما عيد الشكر فى أمريكا، فقد ارتبط شم النسيم بموسم الحصاد، وإن كان الاحتفال الأمريكى فى آخر الموسم بينما العيد المصرى يبشر ببدايته فى الربيع. فى الحالتين هناك إشارة إلى قطف ثمار العمل والاحتفال بالطبيعة السخية وبعالم كريم، نتناسى ولو ليوم واحد فقط قسوة باقى الأيام فتبدو الأزهار وكأنها قررت أن تتفتح جميعها فى ذلك اليوم تحديدا.

كثيرا ما أتساءل عما إن كان ممكنا أن تزدهر المنطقة العربية، والتى يحب أهلها أن يسموها دوما «مهد الحضارات»، بازدهار مجتمعات لا تضغط أديانهم على قلوبهم. أعيد تشكيل المنطقة فى عقلى مرة بعد مرة كمن يفكفك لعبة مركبة ويحاول إعادة تجميع القطع عله يصل إلى منظر أجمل. طبعا فى لعبتى الذهنية الكثير من السذاجة، إذ لا يمكن إعادة تشكيل مجتمعات يمارس فيها كل فرد طقوسا تناسبه دون أن يكون هو نفسه مطمئنا أن عبادته لن تستخدم ضده. وفى منطقة اشتد فيها استخدام المرجعيات الدينية على اختلافها من أجل أهداف سياسية، لا أعرف إن كان ممكنا أن ندوس على زرار أشبه بزرار الحاسوب الذى يطفئ الآلة ويعيد تشغيلها فتظهر على الشاشة لوحة جديدة لا دم فيها ولا صوت بكاء يخرج منها. هو زرار إن دسته سوف يغيب استخدام الدين كذريعة للتحكم والسلطة. هو زرار يعيد تشغيل الحاسوب المركزى بعد أن يمحو ملفات المنافسة الطائفية وبعد أن يعيد عداد من مات بسبب الاقتتال الدينى إلى الصفر ويربطه هناك فلا يتحرك.

أنا أضغط الزرار فأرى بلدا مزدهرا بثقافاته وأديانه، بلدا فيه مجموعات عرقية تعيش تحت سقف واحد يضمن لها حقوق أفرادها كمواطنين. هو بلد يشعر فيه كل فرد أنه مهم لأنه مواطن وليس لأنه ينتمى للمجموعة المهيمنة عدديا أو ثقافيا، إذ لا مجموعة تهيمن على الأخريات. هو بلد لا يشعر فيه فرد قرر أن يكون مختلفا أنه تحت المجهر طوال الوقت، وأنه هدف للتشهير والاستهداف حين يقرر ذلك شخص آخر.

أضغط الزرار فيظهر حى سكنى يسكنه محمد وزينب وأنطوان وجورجيت وعلى ومكاريوس وموسى وبنيامين وهيفين وسيوار والكثيرون ممن لا يرتبط اسمهم بدين: رامى وهبة وليلى وزياد وحنين. فى الحى السكنى هذا يعرف كل جار خلفية جيرانه ولا يدعى أحد أنه لا يعرف، إذ فى الحى حس عال بأهمية أن يحافظوا جميعا على توازن يوحدهم فى أدوارهم المتكاملة ضمن مجتمعهم. ذلك التوازن لا يأتى بتجاهل الأديان بل بالعكس، هو توازن أساسه الاعتراف بجميع السكان. فى الحى السكنى هذا بعض النميمة التى تخرج من على شرفات العمارات كما فى كل حى، عن كرم فلان، وبخل الآخر، وعناد أحدهم ولؤم إحداهن وجمال الأخرى، فهو حى ككل الأحياء وليس منزها من التفاصيل الحياتية اليومية. إنما هو مكان لا يخاف فيه جار على أولاده من انتقام أولاد غيره منهم بسبب مخزون تاريخى من الحقد، ولا تهرع فيه أم لإخفاء ما يدل على اعتقاداتها درءا منها لاعتداء محتمل لا دافع له سوى كره أحدهم لجدودها.

فى ذلك الحى السكنى القواعد واضحة وتنطبق على جميع السكان: حقوقهم متساوية ضمن قانون يشملهم جميعا على اختلافاتهم. وواجباتهم لا فرق بينها إذ أنهم جميعا ينتمون إلى الحى فيعملون على صونه وبذلك يربطهم بالحى عقد واضح وقع عليه الطرفان. العيد القومى فى الحى هو عيد شم النسيم. أما الأعياد الأخرى فلكل بيت يومه هو حر فى اختيار طقوسه والبيوت الأخرى حرة بالاحتفال معه إن أرادت ذلك. لن يعكر على جو الحى أى قصص متوارثة فقد طوى السكان الصفحات القديمة بعد أن داسوا على زرار إعادة التشغيل.

نقلا الوطن االقاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيد غير كل الأعياد عيد غير كل الأعياد



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon