توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قشة من الذهب الخالص

  مصر اليوم -

قشة من الذهب الخالص

بقلم :تمارا الرفاعي

قشة من ذهب هى التى أتمسك بها وسط الإعصار. قشة اختلط فى معدنها أشخاص قلوبهم من الذهب الخالص. هى قشة تلمع تحت العاصفة فلا أفقدها إذ أراها طوال الوقت حتى إن اختفت للحظات تحت الموج. العاصفة من حولى تشتد، الأمطار تغطى على الرؤية أمامى، يرتفع الماء من حولى وحول الأصدقاء فيبحث كل منا عن قشته.
***
قشتى عصاة رقيقة لكنها صلبة، نحيلة إنما قوية، تحمل على جدارها الخارجى وجوها أطمئن إليها وأستكين، وأصواتا تعيدنى إلى اليابسة قبل أن أغرق. هى قشة تطفو فوق الماء وتلمع تحت البرق لتتحداه: هل يشق البرق السماء؟ ها هى قشتى تشق العاصفة وتطير نحوى.
***
كعصا السحر أمسك بقشتى الذهبية وألوح بها أمام وجهى فتضىء الفضاء من حولى لأرى ما أمامى. من هنا طريق أسلكه فأصل إلى استراحة، يرافقنى فى الطريق وجه أمى وهو يخرج على شكل سحابة من الدخان فوق العصا. تختفى أمى فيظهر أخى وتضىء العصا مساحة أوسع من حولى بينما يعطينى هو إرشادات واضحة ويشرح لى الخطوات بشكل محدد لا لبس فيه. أكمل طريقى على إيقاع كلماته.
***
أتوقف قليلا لأراقب العالم: إعصار بدأ منذ شهور كمارد خرج من القمقم واكتشف قدرته على الأذى فقرر أن يستخدمها كلها فى سنة واحدة. بصراحة لم يقترب منى المارد كثيرا إنما دماره الواسع لا بد أن يمسنى فالبشر متصلون والعالم مترابط. ألم نقرأ فى المدرسة أبيات الشاعر الفارسى سعدى الشيرازى حين قال: «بنو آدم جسد واحد، إلى عنصر واحد عائد (...) إذا أنت للناس لم تألم، فكيف تسميت بالآدمى». أنا أقف على طرف الإعصار وبيدى عصا ذهبية تحمينى، هى قشتى التى أتمسك بها وأرى على جدارها انعكاس وجهى طوال اليوم.
***
تتغير تعابير وجهى بحسب حال العالم من حولى. أقلق طبعا ثم أسترخى قليلا حين أسمع صوت أطفالى يخرج من العصا السحرية. ثم أتوتر حين تختفى ملامح أبى فأرى الهالة من حوله تنطفئ قليلا ثم تعود فأهدأ. أنسى أن ما بيدى هى قشة حتى لو كانت من الذهب الخالص وأحملها أكثر من قدرتها على التصدى للعاصفة أحيانا.
***
لكنها قشة من ذهب لا يمكن أن تنحنى. أقلد فرسانا استخدموا سيفهم فى معارك أسطورية فأحرك يدى وأحاول أن أضرب المارد بقشة ذهبية وأنا شبه متأكدة أنه سيسخر منى ومن القشة لكنه يبتعد عنى خطوات. هل فعلا أرعبته قشتى الذهبية ورآها عصا سحرية، وهى رقيقة، أنيقة تخرج أصوات أليفة ووجوه محبة؟
***
شمعة فى الظلام، قشة فى العاصفة، عصا سحرية وسط الشعوذة، طبعا بإمكانها قلب كل الموازين. تعويذتى وسط الضياع وطريق معبدبكلمات تعيد لنفسى الهدوء ولذهنى الصفاء. هى قشة من وجوه من أحب تماسكوا من حولى فطوقونى منعا لغرقى. يا سلام! ها أنا أطفو بدل أن أغرق، وفى يدى قشة من ذهب!
***
أظن أن لكل شخص قشته فى العاصفة. أنا قشتى الذهبية هى الناس، الأصدقاء، تلك الشبكة التى تمنعنى حبالها من أن أختفى فهى تسحبنى إلى سطح الماء. قشتى هى وجوه من أحب تظهر فى لحظة شعورى بالغرق. قد لا أسلم عليهم ولا ألتفت لهم بلحظتها، لكنهم القشة التى تلمع أمامى وتطلب أن أتمسك بها فأفعل.
***
أمشى وبيدى ذهب خالص أنتجته سنوات طويلة من الصداقات، ذهب خالص من العلاقات يتجمع بعضها كالإكسير فى قعر إناء لن يمسه الدهر. أنا أملك إناء من الذهب فيه مكيال قرن كامل من الوجوه والأصوات التى ترافقنى ولا تتركنى. إنائى الذهبى يلمع ويجذب الانتباه، ها أنا أجلس قربه وأنتظر الزوار.
***
بين من أحب ومن أستظرف ومن يطيب لى الحديث معه، تمر العاصفة من قربى وأتلقى بعض القطرات دون أضرار كبيرة. لا يحق لى أن أتذمر أبدا، فمن ذا الذى يستاء وهو يمسك بالذهب الخالص؟ هو قطعا شخص جاحد لا يعى مدى غناه. أجلس إذا على طرف الطريق وأسحب كرسيا أنتظر الزوار. أولنى أهلى إلى هذه النقطة وها هو صديقى الحكيم يستلمنى هنا فيعيد إلى بعض المنطق. دقائق وتصل مجموعة صديقات خفيفات الروح والدم فأضع قشتى جانبا وأستمع إليهن. تعود عائلتى إلى فضائى وحين أسأل عن وضع العاصفة لا يجيبنى أحد وكأن الموضوع لا يعنينا. حسنا لنكمل الحديث على ضوء القشة الذهبية.
***
قشة الحبايب، هكذا أسميها، قطعة من الذهب الخالص أستمع إلى رنتها مع كل وجه يظهر منها داخل سحابة من الدخان فينير ما حولى ويبعد عنى الظلام. أعصر قشتى لأمنعها أن تفلت منى فيدخل دفؤها إلى راحة يدى ثم إلى جسدى. قشة الحبايب تبعد عنى السوء وتحفظنى، هى كنزى على شكل عصا رقيقة قد تبدو هشة لكنها مصنوعة من ذهب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قشة من الذهب الخالص قشة من الذهب الخالص



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:26 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"
  مصر اليوم - رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز غلوب سوكر

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 23:31 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

توقيف سيدة تُدير شبكة دعارة داخل شقة سكنية في السويس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon