توقيت القاهرة المحلي 21:28:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عام اشتقت فيه للأصدقاء

  مصر اليوم -

عام اشتقت فيه للأصدقاء

بقلم :تمارا الرفاعي

مرت قرابة السنة على العالم فى وضعه الجديد، سنة على انتقال من استطاع إلى العالم الافتراضى، عام من نظريات عن مؤامرات مقصود منها أجزاء من المعمورة أو مجموعات من الناس.

***

هى سنة من التساؤل حول الإجراءات اليومية التى يجب اتباعها، ومن تلقى النصائح والإرشادات ثم تلقى عكسها، ومن التأرجح بين الخوف والاحتراز، بين الرغبة فى الانسحاب التام من الفضاء الخارجى وبين دافع قوى للارتماء وسط الزحمة فى تحدٍ لما هو غير معروف أصلا.

***

سنة من التواجد الافتراضى والحكم على من استمر بالتواجد الجسدى، سنة من التواصل عن بعد وذكريات من الطفولة حين كان التواصل الهاتفى مرتفع الثمن بين البلاد وكانت الأسر تنتظر الرسائل فى ظروف مستطيلة على حوافها مربعات حمراء وزرقاء، فيجتمع أفراد العائلة للاستماع إلى أخبار القريب البعيد جسديا والقريب روحيا.

***

أظهرت هذه السنة فروقات إضافية بين الناس، فروقات ظالمة بحق من لا خيار لديه سوى الاستمرار بحياته وبمحاولة جنى قوته، من فضل أن يواجه الجوع الذى يعرفه على مواجهة فيروس لا يعرفه. وها هو اللقاح أتى ليعزز من الفروقات بين البلاد وبين الطبقات وبين الأفراد.

***

وضعت لائحة بما أريد أن أتذكره بعد عشرين سنة حين أحكى لمن سوف يأتون من بعدى عن ما كان قبل هذه السنة، فهم قد لا يكونوا مطلعين على الكثير مما ميز حياة جيلى من سهولة الحركة فى الزحمة أو عدم الشعور بالإحراج إن عطس أحدهم!

***

ليلة العيد: زحمة وأنوار وأصوات تملأ الروح. كانت أمى تتعمد الخروج من البيت فى ليلة العيد فى دمشق دون أن يكون فى نيتها شراء أى شيء. كانت تنسحب بهدوء من البيت وكأنها تقول أن ليلة العيد هى ليلتها مع المدينة، هو موعدها وحدها مع دمشق. لا تأخذنى معها ولم أطلب أصلا قط أن أرافقها، وكأننى فهمت منذ حينها أن لا مكان لى فى العلاقة بين أمى ودمشق فى ليلة العيد المزدحمة.

***

المسرح: يلتصق كتفى بكتف من يجلس على الكرسى التالى، نعم فلم نكن نترك كراس خالية على وقتنا فى المسرح! يعتمد حظى إذا كثيرا على من يجاورنى السكن فى العالم المتخبل خلال قرابة الساعتين. إن كان الشخص ثقيل الظل فقد يثقل على متعتى بالمشاهدة. أنا أشاهد عرضا قد أحبه أو لا، قد أشترى الفشار، لم لا ورائحته سوف تبقى فى أنفى وشعرى أصلا بعد العرض، لذا فمن الأنسب أن أشتريه على الأقل حتى تتماشى الرائحة مع الطعم.

***

القهوة: مكان مكتظ، طاولاته تكاد أن تكون متلاصقة حتى أننى أسمع قصة حب مزقها الرحيل من طاولة قربى. مكان أقرب رأسى فيه من رأس من معى حتى لا تخرج الكلمات من مترنا المربع الخشبى. أشرب القهوة بالحليب دون أن أفكر إن كان الفنجان معقما بالماء الساخن.

***

مجلس العزاء: تخيلوا أننى أشتاق إلى مجلس عزاء يليق بمن رحل؟ أذكر أننى تمنيت مرة أن يقام مجلس عزائى فى مكان محدد يستطيع كثيرون ممن أحبهم أن يصلوا إليه. بعيدا عن دراما الموت، ففى مجالس العزاء الكثير من التقارب بين ناس يضعون اختلافاتهم جانبا فى حضرة الغياب، ويظهرون الود والدفء ولو حتى لدقائق. فى صغرى كان من العيب ألا يقام مجلس عزاء، وها نحن نعزى فى فضاء أزرق اليوم وأشتاق أنا للتربيت على من أحب وأنا أتمنى لهم الصبر والسلوان!

***

التلقائية فى التواصل: أن أضم صديقة لم أرها منذ مدة وأقبل وجنتيها دون تفكير. قالت لى صديقة أخيرا أنها ارتاحت كثيرا خلال الجائحة من التلامس فهى لا تفضل أن يلمسها أحد قط. استغربت من موقفها رغم علمى باختلاف الثقافات الذى قد يفرض مسافات جسدية فى مكان ويسمح بها فى مكان آخر. أنا عن نفسى أشتاق للتقارب الجسدى.

***

لقاء يبدأ صغيرا ويكبر: أى أن أقرر أن أعزم شخصين إلى بيتى ثم أضيف آخرين خلال اليوم لأننا فى آخر المطاف مجموعة كبيرة كثيرا ما نلتقى حتى لو انقسمنا إلى حلقات أصغر أثناء. طاولة كبيرة يجتمع حولها الأصدقاء، نقاشات صاخبة وأطباق تتغير مع تغيير مكان أصحابها. يقوم البعض ويجلس آخرون، يخرج البعض إلى الشرفة للتدخين ومتابعة حديث مع من سبقهم إلى الشرفة. فكانت الخطة لأمسية هادئة مع صديقين ثم توسعت المجموعة لأن هذا هو النموذج الطبيعى فى حياتى: مجموعة أصدقاء يحيون الليلة بدفئهم وأفكارهم.

***

لا أعتقد أننا سنعود تماما كما كنا قبل الجائحة. أظن أن للعام المنصرم آثارا لن تزول. أخشى أن تختفى اللقاءات كما عرفتها، أن يتخذ التواصل دوما بعدا جسديا، ماذا عن حضور عرض، أى عرض؟ أخاف من اختفاء ما تبقى من التلقائية فى التعامل مع ما حولى، وقد اختفى الكثير منها أصلا بسبب ما فرضته الحياة الحديثة عموما من أطر لا تسمح بالتحرك بعفوية.
هو عام اشتقت فيه للأصدقاء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عام اشتقت فيه للأصدقاء عام اشتقت فيه للأصدقاء



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:26 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"
  مصر اليوم - رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز غلوب سوكر

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 23:31 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

توقيف سيدة تُدير شبكة دعارة داخل شقة سكنية في السويس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon