توقيت القاهرة المحلي 06:15:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حياة بثلاثة إيقاعات

  مصر اليوم -

حياة بثلاثة إيقاعات

بقلم :تمارا الرفاعي

وهكذا تستيقظ ذات صباح مع حقيقة أنك لم تعد فى الفئة الشبابية. أنت خرجت من الفئة تلك منذ سنوات إنما لم تدرك واستمريت بالتعامل مع نفسك وما حولك على أنك من جيل الشباب والشابات. تتجاهل علامات كنت قد رأيتها على غيرك على مدى سنوات فلا تلاحظ أن العلامات طالتك أيضا. ليست فقط علامات التقدم بالعمر التى أضفت على وجهك وهيئتك شبها كبيرا بوجوه كبار العائلة. هى أيضا كلمات وردود أفعال تظهر من قاع الذاكرة للمرة الأولى فتسكت فجأة لأنها ليست كلماتك إنما كلمات الوالد أو الجدة.
***
فى المرآة أنظر إلى عينى أمى، أو ربما هى نظرة أمى ترتد إلى. هو شهر ملىء بالتعازى، وكأن شبح الموت قرر أن يركز أعماله على محيطى ويسحب أمهات وآباء الأصدقاء. طبعا يزيد ذلك من فكرة أننى أكبر، فمع التقدم بالعمر يخرج من حولى الجيل الأكبر. لا أفكر بالموضوع ولا أرمى فكرة الرحيل على من أحبهم، ففى تصورى للحياة السعيدة سوف أجد صديقتى على الكنبة فى كل وقت أحتاجها فيه. سوف ترد أمى حين أهاتفها دوما لتعطينى وصفة طبق تقليدى من دمشق. سوف يستمر أبى بإرسال معلومات حول أشياء كثيرة أقرأ بعضها وأضع بعضها الآخر جانبا.
***
أنا أتقدم بالعمر لكن من سبقونى يقفون مكانهم. أى أننى ألحق بهم بينما هم لا يكبرون. هذا ما أقوله لنفسى عند كل تواصل مع أصدقاء أريدهم أن ينتظرونى كيف نكمل حديثا بدأناه منذ سنوات وانتقل معنا من بلد إلى آخر ومن مرحلة سياسية إلى مرحلة. ها أنا إذا ألحق بهم وأنضم إلى مجموعة أصبحت شاهدة على تغييرات لم تتوقعها أو لم أتوقع أنا زخمها.
***
فى الوقت ذاته هناك حياة يومية بتفاصيل متكررة ها هى مستمرة: ماذا نطبخ اليوم؟ هل دفعنا فاتورة الكهرباء؟ الطقس بارد لماذا تلبس ثيابا خفيفة؟ هل انتهيت من كتابة واجب المدرسة؟ ثم هناك طبقة من السريالية رمتها الجائحة منذ سنة على تفاصيل الحياة اليومية. هل أخذت الكمامة؟ هل عقمت يديك بعد عودتك من الخارج؟ هل من أخبار عن توفر اللقاح؟
***
يبدو أننى وغيرى نعيش الحياة فى ثلاثة إيقاعات على الأقل: الحدث اليومى وضرورة تحضير الفطور ومتابعة العمل وتصليح خزان الماء. والحدث العالمى المختصر بفيروس غير حياة البشرية. والإطار العام الذى تظهر فيه وجوه كثيرة تجلس على كنبة فى بلاد مختلفة تنتظرنى هنا وهناك بينما أكتسب أنا تجعيدة إضافية مع كل انتقال ومع كل كنبة.
***
للأمانة أنا أتمعن فى وجوه كثيرة طوال الوقت بحثا عن قصص تختبئ بين التجاعيد. كما أننى ألاحظ تغير لون الجلد تحت العيون وأحاول أن أخفيه دون أن أنجح. يقال إن أصعب امتحان هو قبول الذات والتعامل مع السن. يقال أيضا إن الرضا مفتاح القبول. أظن أن الرضا هو أصعب امتحان.
***
الصورة إذا هى لغرفة جلوس يجتمع فيها أصدقاء من مراحل وأماكن كثيرة. هم ينظرون إلى الكاميرا يعنى أنهم ينظرون إلى. أنا لحقت بهم فى مجلسهم هذا ففسحت لى صديقة مكانا قربها على الكنبة لأجلس. أنظر إليهم فأراهم كلهم متقاربين بالعمر. أنا نفسى أصبحت قريبة منهم عمرا فجلست معهم بعد أن وضعت على الأرض أمامى بقجة حياتى وحكاياتى. أظن أن الدخول إلى هذه الغرفة محكوم بحجم البقجة: لا يدخل إلى مجلس الأصدقاء هذا إلا من اتسعت بقجته لحكايات كثيرة، فيها الحب والترحال والشوق والحنين ورائحة زهر البرتقال. أو قد تحمل بقج الآخرين روائح أخرى وحكايات عن ناس لا أعرفهم لكن تظهر وجوههم معنا هنا فى الغرفة فيكبر الاجتماع.
***
مع كل سنة أكسبها فى الحياة، مع كل ندبة أمر بإصبعى عليها، مع كل خط أو بقعة جديدة على وجهى أتأكد أننى أريد أن أكون بين أشخاص كثيرين فى غرفة جلوس فيها كراسى وكنب تتسع لقصص وحكايات لا تنتهى. أريد أن يبقوا هنا، أن أندس على كرسى قربهم وأدخل مباشرة بالحديث دون مقدمات. لا فائدة من المقدمات مع من أعاشرهم منذ عقود أصلا، نحن نكمل قصص بعضنا البعض، نحن قطع ملونة نستقر على هيئة لوحة كاملة، نحن ننسج قصصنا الملونة وقد نتوقف أحيانا عن الكلام لكننا نستمر بالنسيج.
***
أعيش ثلاثة إيقاعات وأتمنى أحيانا لو أستطيع أن أمد تفصيلا واحدا كمن يمد قماشة لوحة على إطار خشبى: أتمنى أن أمد تفصيلا يوميا فيملأ قلبى، صوت ابنتى من بعيد، رائحة القرفة فى الشاى، عنوان كتاب تركه شريكى على الطاولة أى أنه مر من هنا منذ لحظات. الصورة إذا هى تفصيل حياتى ويومى شددته على إطار ليصبح لوحة أضعها فى بقجتى التى أعبر معها الأزمان وأرتمى وسط أصدقاء سبقونى إلى غرفة معيشة ملأوها ببقجهم. هناك تجبرنا الجائحة على الانتظار، إنما ها نحن ننتظر وسط من نحب ومع أصوات وقصص تتحدى الزمن. هى حياة بثلاثة إيقاعات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حياة بثلاثة إيقاعات حياة بثلاثة إيقاعات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon