توقيت القاهرة المحلي 06:24:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى محاولة لترميم القلب

  مصر اليوم -

فى محاولة لترميم القلب

بقلم :تمارا الرفاعي

فقدت فى السنوات الأخيرة كثيرا مما كنت أظنه مكونا أساسيا فى حياتى من أشخاص وأماكن وعادات وحتى كلمات. فقدت البعض عن قصد، كأن أتخلى مثلا عن اعتقادات لم تقنعنى قط لكنى لم أملك جرأة خلعها عنى فى صباى من كثرة ما رددها أمامى ومن حولى على أنها مسلمات لا يمس بها. وفقدت بعض المكونات من غير قصد، كأن ينقطع التواصل مع أحداث أو أشخاص بسبب ظروف الحياة، ثم أعود إليهم فأجد كثيرا من المودة وقليلا من التفكير المشترك الذى أحتاجه للاستمرار بالعلاقة.
***
المودة: محبة؟ تآلف؟ دفء؟ شعور يصعب التقاطه بلغات أخرى. مزيج من الحب والتسامح والصداقة. كلمة بوسعها أن ترمم عالما كاملا من الجفاء.
الجفاء: بعد؟ ذبلان؟ موت؟ ابتعاد بطىء لا عدوانية فيه إنما فيه الكثير من البرود، كبرود غربة يخنقها الحنين.
الغربة: وحدة؟ انقطاع؟ وحشة؟ أو فقدان تدريجى لما كنت أظنه أساسيا ثم سقط عنى بقصد أو بغير قصد خلال سنوات من التنقل والأحلام والخيبات؟
الحنين: شوق؟ حاجة؟ شعور خانق لا عقلانية فيه يريد العودة إلى أشخاص وأماكن يصعب الوصول إليها.
***
كل يوم أرمم قطعة قديمة فى قلبى. أدهنها ببعض المودة والكثير من الحنين. أشتاق إلى وجوه وأصوات فألعن الغربة والسياسة والجفاء. أمسك بقصة وأعيد لصق تفاصيلها كما أتذكرها. أعود بقلبى إلى موقف فرض على جفاء وأحاول أن أعيد الصياغة بطريقة مختلفة قد تجنبنى بعدا أعرف اليوم أننى أندم عليه. فى كل محاولة للترميم، أعود بها إلى لحظة بهتت ألوانها فأصبحت كألوان صور مطبوعة، وليس كالصور التى صرنا نلتقطها مستخدمين هواتفنا الذكية بتقنياتها العالية والأوانها التى لا تفقد جزيئاتها حيويتها.
***
كل يوم أرمم قصة قديمة وأعيد إحياء أشخاص رحلوا علنى أصلح علاقة كسرتها قسوة ندمت عليها فيما بعد. أمد يدى إلى مكان فى قلبى لأسحب موقفا مؤلما فأفك خيوطه وأعيد حبكها مع نهاية مختلفة.
***
فصل الشتاء يأتى بنهايات كثيرة، بعضها مضى منذ فصول لكن للشتاء قدرة عجيبة على نشر أوراق النهايات على حبل طويل. تخيلوا معى حبلا للغسيل على شرفة فى يوم بارد وماطر، تنظرون إليه من داخل الغرفة فترون عشرين، ثلاثين أو أربعين ورقة كتب عليها كلمة نهاية. من حيث تقفون ترون الكلمة ذاتها على كل الأوراق: نهاية. تقتربون من الزجاج فترون أن على كل ورقة قصة أو صورة لشخص لم يعد فى دائرتكم. افترقتما لأسباب متعددة: اختلاف فى المواقف السياسية، قصة حب انتهت، صداقة عرتها الأيام، وجهات نظر فى الدين، وغيرها من الأسباب.
***
هنالك ألف سبب وجيه للنهايات، وليست كل النهايات حزينة. إنما يفرض فصل الشتاء نوعا من المراجعة فتظهر أوراق النهايات منشورة على حبل الغسيل، تهزها ريح باردة وتمزج حبرها المطر. تتمسك الأوراق بالحبل فهى أيضا لا تريد أن تسقط تماما من على حبل الذاكرة. وأنا أقترب من الشباك لأرى الأوراق واحدة واحدة وأتذكر تماما المواقف التى أخرجت كل قصة من قلبى ونشرتها هنا على الشرفة فى يوم بارد.
***
كل يوم أرمم قصة أو أرميها. مع دعوات التسامح التى تزيد فى بعض المواسم، كموسم نهاية السنة، أراجع قصصى وأعترف أننى أخطأت أحيانا، أننى جرحت شخصا دون مبرر. أو أن شخصا جرحنى فقررت أن أكتب ورقة نهايته أيضا. أعيد النظر اليوم من خلف الزجاج وأتساءل إن كنت سأكور هذه الورقة بين يدى وأرميها أم أننى سأدخلها إلى الغرفة وأحاول أن أرمم محتواها.
***
صمغ المودة، مادة تساعد فى ترميم القلوب دون سذاجة، أظن أن الكثير ممن هم حولى قد وصلوا إلى مرحلة فى العمر وفى التجربة لا تتناسب مع سذاجة تفترض درجة من التسامح لا يظهرها سوى الأنبياء. لكنى ما زلت أبحث فى داخلى عن درجة من المودة قد تساعدنى على ترميم بعض القصص حين أعترف أننى أخطأت، قصص أشتاق إلى أشخاصها ولا أعرف كيف أعود إليهم. هى عملية أتسامح بها مع نفسى قبل الآخرين.
***
لا أعرف إن كان ترميم القلوب ممكنا، أظن أن من السذاجة الاعتقاد أن ثمة صمغ خاص يعيد لصق أشخاص فى حياتى بعد رحيلهم، إنما للشتاء والبرد وموسم نهاية السنة قدرة سحرية على إعادة أصوات إلى عالمى، أصوات تدخل إلى عقلى وتسحبنى إلى مراحل كنت قد طويتها. هل أدهنها بصمغ المودة أم أتركها معلقة على حبل الغسيل تفقد ألوانها تحت المطر حتى تبهت تماما فأنسى ما كان عليها؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى محاولة لترميم القلب فى محاولة لترميم القلب



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon