توقيت القاهرة المحلي 06:59:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أن تكون سوريا هذا الأسبوع

  مصر اليوم -

أن تكون سوريا هذا الأسبوع

بقلم - تمارا الرفاعي

أن تعود إلى بيتك فى المساء بعد لقاء الأصدقاء. أن تستيقظ فى وسط الليل لأنه قد تهيأ لك أنك سمعت بكاء أحد أطفالك فتقفز إلى غرفتهم وتجدهم حيث تركتهم نائمين بسلام. تلقى نظرة على شاشة الهاتف فترى صورا لأطفال فى بلد آخر هو بلدك. تسمع صراخهم فقد أيقظهم القصف. أن تتقلب فى سريرك بعد ذلك وأنت تتساءل كيف يكون لك بيت ولكثيرين العراء. أن تعيش اليوم التالى وكأنك عدت إلى الحياة فتذهب إلى عملك وتتحدث مع الزملاء ثم تساعد أولادك فى حل الواجبات المدرسية.

***

أن تسير فى مدينة احتضنتك لكنك تدرك قسوتها على غيرك، فالمشوار اليومى فى المواصلات العامة يعوضك عن قراءة مئات الدراسات والمقالات حول صعوبة العيش وكسب القوت. يلحق يومك بالذى سبقه فتجد نفسك من جديد فى سريرك وتسمع مجددا بكاء طفل إلا أنك فهمت اللعبة فلا تتحرك.

***

لعبة عقل لم يعد قادرا على استيعاب متلازمة الحياة والموت، تجاور الحزن والفرح، العمران والهدم. هناك أسابيع تمر أحس فيها أننى آلة تتحرك فى دهاليز الأحداث. رسائل خطية وصوتية من زملاء مشغولين بالأحداث ذاتها لكنهم أقرب إليها جغرافيا. يبدأ شعور بالذنب بالتسلل إلى داخلك فتتردد أمام تفاصيل يومية ليوم عادى لأنك تراها استثنائية بالمقارنة مع ما يعيشه الكثيرون.

***

يمتد الشعور فيمسك بقلبك أولا ويعصره. وبينما تحاول أن تسيطر على عقلك الذى تتصارع فيه الأفكار تحس بالاختناق. اليد التى عصرت قلبك منذ ثوانٍ ها هى الآن تشد على صدرك فتؤثر على تنفسك. الشعور أشبه بفراغ أو بثقب كبير أسود لا قاع له يبدو أن اليد رمت فى قلبك. تنتظر أن يرتطم قلبك بالقاع علك ترتاح لكنه لا يرتطم. أليس للهاوية قاع؟

***

ها قد شدت اليد على رئتيك أيضا ورمتها فى الثقب ذاته. داخلك مجرى للهواء بعد أن تم إفراغك. أما عيناك فما تزالان معلقتين بالشاشة اللعينة تقرآن الأخبار. عقلك فى مكانه مربوط بعينيك فكل صورة تشاهدها تتحول فى العقل إلى قصة. ماذا أطعمت هذه الأم أطفالها قبل أن تموت؟ هل قرأت لهم قصة فى محاولة بائسة منها أن تشغلهم عن حتف عرفت ليلتها أنهم سيلقوه معا؟ أما فردة الحذاء الملطخة بالدم، هل اشتراها أب لابنته فى آخر يوم من رمضان احتفالا بالعيد؟ هل مات الأب أيضا؟ ربما من الأسلم أن يكون قد مات، مع زوجته والأطفال.

***

الساعة الثانية بعد منتصف الليل والبيت فى سكون تام. أين هى تلك اليد الشريرة التى أفرغت ما بداخلى وتركتنى جسدا بعينين وعقل وذاكرة؟ أنظر إلى طفلتى المتكورة قربى وأسمع دقات قلب أم رقدت بجانبها جثة ابنتها. الليل لئيم، لم أعد أصدق أغانى العشاق التى ترى فى الليل شاهدا على الحب. الليل شاهد على أشباح تتطاير أمامى لناس لم يكن ذنبهم سوى أنهم ولدوا فى بلد لفظهم.

***

أغمض عينى علنى أستطيع أن أغمض معهما عقلى فأهدأ. حالة الفصام كفيلة بإخراج العفاريت كلها من أوكارها. فصام يوم يذهب فيه أولادى إلى المدرسة وأسأل نفسى عما أريد أن أطبخه، ثم أعود إلى أخبار الحرب والدمار والجوع. ها أنا أتأرجح بين عالمين لا يمكن أن يلتقيا. أظن أن للسوريين نصيبا فى البؤس فاق التوقعات، على الأقل السوريون العالقون بين مخالب حرب لم يحسبوا يوما أنها سوف تقطعهم وتسلخ جلدهم بهذا الشكل.

***

أفتح عينى وأحاول أن أتخيل ليلة أقضيها وسط صوت الانفجارات. لا أعرف لماذا أصر على استحضار صوت وصورة الرعب التى أقرأ عنهما. لو كنت فى دمشق، فهل كنت سأسأل عن جهة الخطر، أم ترانى كنت سوف أنكفئ على أطفالى الثلاثة وأنا أدعو الله والملائكة ومن أراد أن يسمعنى أن يكون زوجى بخير؟ لو كنت فى دمشق فما ستكون أولوياتى الآن، فى منتصف ليلة موحشة لا أعرف إن كان سيطلع بعدها على الصباح لأتمكن من تفقد بيتى والحى والجيران؟

***

هى حالة فصام تكاد تنال مما بقى عندى من عقل. هل فعلا شاهد كل من أعرفه الصور التى مرت على هاتفى واستمر فى يومه وتابع أعماله وتناول وجبة الغذاء مع أصدقائه؟ ربما، تماما كما تابعت أنا نفسى يومى. أنا شخص سحبت منه الروح هذا الأسبوع، أسير وكأننى أمشى على الماء إذ لا أحس بما تطأه قدمى. أنا شخص مد أحدهم يده وسحب من داخلى القلب والرئة ففتح على طول جسدى طريقا شق المساحة بين رقبتى وأصابع قدمى.

***

أهوم ولا أمشى، أنظر إلى أولادى فأستغرب أن الحياة يمكن أن تكون ببساطة يوم ينتهى فيجلس فيه أفراد العائلة يتحدثون عن المعلمة أو عن الرياضة أو عن مسألة حساب. ربما المجانين أيضا كانت لهم عادية يوما ما قبل أن يختلط الواقع بالقصص وتدخل أصوات ناس لا أعرفهم أصلا إلى ليلاى.

أن تكون سوريا هذا الأسبوع يعنى أن تنط بين مربع الحياة والموت دون أن تنظر حولك، إذ لا يمكن لعقلك أن يستوعب أن المربعين متلاصقان.

 

 

 

نقلا عن الشروق القاهريه

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أن تكون سوريا هذا الأسبوع أن تكون سوريا هذا الأسبوع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon