توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أمنيات منطقية

  مصر اليوم -

أمنيات منطقية

بقلم :تمارا الرفاعي

هى سنة يبدو أنها تريد نفسها فيصلا بين عالمين، هو عام سقطت فيه مسلمات واحدة تلو الأخرى وكأن من ينذر أن ما اعتدنا عليه ليس مفروغا منه. إعادة النظر عملية مهمة دوما، وها قد أتيح للناس وقت للتمعن. قد تبدو الحياة بطيئة فى غياب القدرة على التنبؤ والتخطيط. قد تبدو العلاقات سطحية مع شح اللقاءات. وقد تبدو العلاقات متينة رغم البعد. سنة أظن أنها أسقطت كل يوم شخصا فى الثقب الأسود، تماما كما تفقد شجرة ورقة كل يوم حتى تتعرى تماما من ثوبها الأخضر فتصبح حزينة جرداء فى الشتاء.
***
هى سنة مرت وكأنها شتاء مستمر، تقطر حزنا كحنفية تنزل منها الماء قطرة تلو الأخرى طوال الليل حتى يتخدر عقلى فلا أسمعها عند الفجر. أتخيل أحيانا قطعة قماش عملاقة أستطيع أن أمسح بها السنة، أضغط على نقطة فى عقلى فأعود إلى هذه الفترة فى العام الماضى. حينها كنت أتمعن أيضا فى بعض الأمور، كما أفعل فى كل آخر سنة، فللنهايات قدرة عجيبة على فرض مسلسل بشرى يمر بسرعة ليعاتب أحيانا ويفتخر أحيانا أخرى.
***
هكذا إذا أمسح سنة كما يمسح المدرس اللوح من الطبشور فتختفى الكتابة. هى ربما مسألة عمر وصلته فبدأت أفقد كثيرين ممن أحب، أم أنها مسألة عمر صار الموت يخيفنى فيها بعد أن أمضيت ساعات طويلة أفكر بالغياب. هكذا يمكن أيضا أن يمحو المدرس حياة شخص، يعنى أن يمر أحدهم على حياة بقطعة قماش فيرحل الشخص.
***
هناك ثقوب صغيرة فى الحزن تخرج منها أزهار شقائق النعمان والأقحوان، ألوان زاهية على سيقان يافعة أعرف أن الأولى منها هى زهرة الموت والثانية حياتها هشة إلى حد الموت. لكنها تخرج دون إنذار فأتفاجأ دوما أن ثمة رءوس صغيرة ملونة أكاد أن أسمعها تغرد فوق أرض محروقة.
***
هكذا هى هذه السنة: أرض محروقة. أحاول أن أتذكر أن النار لم تطلنى بشكل مباشر، وأقول إننى من المحظوظين فحولى أصدقاء وأحباء وفوق رأسى سقف أحتمى تحته لكنى أخجل أصلا من هذا الترف حين أقف وسط الرماد.
***
هى سنة أتمنى أن أمشى عليها بقطعة قماش وإبرة وخيط فأحشرها فى كيس لا تخرج منه ولا تذكرنى أنها مرت من هنا. أخذت أصدقاء وأبعدتنى عن أماكن أحبها، فرضت وباء لم أفكر به قط ولم أتخيل أن يكون العلم والبشرية فى هذا الضعف فى مواجهته! سنة فرضت ربما بعض التواضع فى التعامل مع ما حولى بعد سنوات من اقتناعى بالسيطرة عليه، أعيد النظر لأعترف أننى لا أسيطر إنما أمسك ببعض الخيوط فقط.
***
هى سنة أتمنى أن تكون قد استنفذت ما بجعبتها من مصائب، أمسك بيد أولادى وأحاول أن أقفز معهم دون أن أفلتهم، لنترك وراءنا ما حدث. سنة أريد أن أقفل بالمفتاح على ما جلبته معها من أحزان ثم أضيع المفتاح. أترك علبة الأحزان فيها وأعبر إلى العام الجديد فأرى قوس قزح قبل حتى أن تقع عينى على من أحب. أم ترانى قد مت أنا أيضا مع هؤلاء ونحن الآن فى عالم آخر؟
***
هو عام سوف ألف حوله كفنا وأدفنه ولا أفكر به. أخذ ما أخذ فليس بيدى طريقة لاستعادة ما ضاع، ليس أمامى سوى أن أتمسك بأزهارى الملونة وأسمع همسها حين تدفع سيقانها بها نحو الشمس. هنا، أجلس على تربة محروقة وأصدق شقائق النعمان: ثمة ألوان بعد الظلام، هناك زهرة تنبت بين الأموات. هناك حلم يجب أن يستمر وحياة ينبض قلبها حتى لو خفت أحيانا.
***
هو عام أودعه وأخاف أن ألقاه على الطرف الآخر، ثم أعود وأقول أننى أضعت مفتاح صندوق الأحزان ولم أعد أخاف. هو عام أخشى أن ينتقل معى ومع من أحب، أو من بقى ممن أحب، أريدهم معى هناك على الناحية الأخرى، فمع الموت والترحال والغياب والغربة، لم يعد فى القلب مكان لافتراق جديد.
***
أتمنى لنا جميعا مرورا دون حواجز إلى سنة جديدة نضمد فيها جروح الروح. أتمنى لمن أحب قوس قزح ينقلهم وأحباءهم إلى 2021. أتمنى لنا راحة البال وصداقات قديمة تتجدد وجديدة تتعمق، أتمنى لنا أحاديث لا تنتهى وتتحدى المسلمات فتغنى النقاش. أتمنى لنا الحب، كثيرا من الحب، وأتمنى لنا ليالى سمر لا تباعد فيها فنجلس على شرفة نضحك ونسترق النظر إلى من يمر فى الشارع من تحتنا. أتمنى لنا سنة عادية فيها الجميل وفيها الحزين على أن يطغى الجمال على الحزن. أتمنى لنا الصحة والطمأنينة، أليست أمنياتى منطقية؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمنيات منطقية أمنيات منطقية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon