توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى الغابة، الناس لبعضها

  مصر اليوم -

فى الغابة، الناس لبعضها

بقلم : تمارا الرفاعي

 يستخدم البعض مثال الغابة والشجرة والورقة للدلالة على أنهم يصفون إما الصورة الكاملة أو التفاصيل الكبيرة أو الصغيرة، فيقال إن التركيز على ورقة الشجر قد يحول دون رؤية الشجرة ورؤية الغابة، أو إن النظر إلى الصورة الكبيرة قد يجعل من الشجرة وأوراقها أمورا صغيرة يصعب رؤيتها حين نريد أن نلم بمعالم الأمور لنأخذ فكرة واسعة بدل التركيز على التفاصيل.

أفكر فى التشبيه كثيرا هذا الأسبوع مع التطورات الميدانية فى سوريا، فحين يتصل بى الأصدقاء ليسألوننى عن شعورى إزاء ما حدث من تنفيذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لتهديده بضرب مواقع فى سوريا إن ثبت استخدام الأسلحة الكيماوية على أحياء مدنية، لا أعرف بما أجيبهم.

لا شعور محدد لدى، هكذا أقول للأصدقاء. أو بالأحرى فقد انعدمت عندى هذا الأسبوع القدرة على رؤية الصورة الكبيرة، وفقدت أيضا القدرة على فهم أجزاء من القصة قد تكون كبيرة. هذا الأسبوع أركز على التفاصيل الصغيرة، على ورق الشجر. أركز على شاب بحاجة إلى عملية فى العظم حتى لا يفقد القدرة على المشى. كما أتابع موضوع شابة تنتظر أن يجمع أهلها مبلغا يغطى تكاليف تدخل جراحى يحمى عينها ويحافظ على بصرها. تستوقفنى قصة ولد قد لا يتمكن من متابعة دراسته إن لم يكمل دفع قسط المدرسة وأسمع عن طفل بعمر ابنتى الصغرى تنتابه حالات الصرع بشكل أصبح متقاربا وخطرا بسبب عدم قدرة أسرته على تأمين مبلغ لعلاجه.

أنشغل بقصصهم ويهرع من حولى للتبرع لهم فأجد نفسى فجأة منغمسة فى حيوات ناس لم أكن أعرف عنهم شيئا منذ أسبوع مضى. ها أنا أدخل إلى بيوتهم وأستمع إلى تفاصيل عائلات كان من الممكن أن تكون عائلتى منهم، فالقدر هو الذى يقرر الباب الذى سوف يقرعه ليغير مصائر ناس.

لا رؤية لدى للقصة السورية بأكملها هذا الأسبوع إنما تجمع عندى مخزون من الحكايات قد تروى كل واحدة منها جزءا من القصة. ها أنا أدخل فى التفاصيل، أسأل ناسا عن عدد أولادهم وظروف معيشتهم، وأنقلها لذوى القلوب الكبيرة الذين لم يملوا من قصصى وطلبى منهم المساعدة.

قلوب كبيرة هى ما تحتاجه التفاصيل الصغيرة. كل تفصيل، كل ورقة شجر هى حياة بأكملها إن يساهم أصدقائى بمسح التراب منها فتنتعش وتكمل عيشتها على الغصن. كل غصن هو مسار يخطو عليه أشخاص وكل شجرة مغروسة فى أرض قرب أشجار أخرى هى جزء من الغابة.

قلوب كبيرة هى التى تحافظ على الأوراق والغصون، تسقى الشجر وتمنع عنه الشر، هى قلوب قررت، وذلك ذكاء وحكمة من أصحابها، أن التأثير فى التفاصيل قد يكون أهم فى كثير من الأحيان من محاولة تغطية نداءات الغابة الكبيرة.

مع انعدام الرؤية الذى أصابنى هذا الأسبوع تفتحت فى قلبى أزهار صغيرة ملونة خرجت من بين أعشاب ضارة ألاحظ أنها كانت قد اجتاحتنى أخيرا. ألاحظ أيضا أننى لم أقاوم الأعشاب الضارة حين بدأت بالتسلل إلى قلبى حتى استيقظت يوما فوجدت شيئا كريها يضغط على صدرى يكاد يخنقنى. كنت قد تركت قلبى مشاعا للبشاعة فتمددت داخله وأطبقت على نفسى. وها هو فجأة الربيع يركل السواد وينتزع أعشابا داكنة اللون من الطريق فيفتح مجارى الهواء ويعيد لى قدرتى على التنفس.

تدخل أشعة الشمس لينعكس معها الضوء على غصن كساه اللون الوردى: رسائل من أصدقائى يعرضون المساعدة فى حل قصص من يحتاج إلى دواء وجراحة مكلفة. أزيح طبقة من التراب عن قلبى فينبض بشكل أكثر وضوحا. دقائق وتنبت زهرة جديدة على صيغة سطر يصلنى من صديقة تعيش على الطرف الآخر من المعمورة. تريد أن تساهم بالحفاظ على بصر السيدة الشابة. أزيل طبقة أخرى من الظلام الذى يلفنى فقد بدأت أرى ليس فقط ورق الشجر والغصن إنما الشجرة أيضا ثم شجرة أخرى اكتست أغصانها هى الأخرى برسائل الأصدقاء وكرمهم، اكتست بألوان حبهم فاختفى معها الظلام.

ساعات وتظهر لى الغابة بسحرها ورونقها كما لم أرها منذ أسابيع. الصورة الكبرى ملونة، هى صورة أغصان متعانقة يهمس كل منها «أنا معك لا تخافى». هى غابة من الأصدقاء يحيطوننى بدفئهم وجمال كلماتهم وروحهم. هى أشجار ترد العاصفة عمن يحاول أن يحتمى من الرياح فلا تكسره. صدق من قال إن الأصدقاء أهم مكون فى الحياة. أشجار السرو بعظمتها وبريق لونها الأخضر تقف بكبرياء من حولى لتقول لى لا تضيعى فى التفاصيل فسوف نهتم بها. نحن هنا لنحمى صغار الغابة وننظر فى مطالبهم. يحمل أصدقائى فرشاة ألوان تمر فوق قصص إنسانية فتحول نهاياتها إلى نهايات سعيدة.

أعود لخطوات إلى الخلف فأرى الصورة كاملة، الناس لبعضها كما نقول فى سوريا ولا أرى تعبيرا أكثر قربا من قلبى هذا الأسبوع.

نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى الغابة، الناس لبعضها فى الغابة، الناس لبعضها



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 23:31 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

توقيف سيدة تُدير شبكة دعارة داخل شقة سكنية في السويس

GMT 18:19 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«المركزي» يعلن مواعيد عمل البنوك في رمضان 2021

GMT 12:03 2021 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

قمة نارية بين برشلونة وإشبيلية في نصف نهائي الكأس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon