توقيت القاهرة المحلي 01:32:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«صلاح منتصر».. هل قلتُ لكَ: أحبُّك؟!

  مصر اليوم -

«صلاح منتصر» هل قلتُ لكَ أحبُّك

بقلم - فاطمة ناعوت

مستحيلٌ أن ينسى المرءُ عبارةً غيّرتْ نظرتَه إلى العالم، وعدّلت فى كيمياء تعامله مع الناس. يقول الشاعر ت. س. إليوت: «القصيدةُ الجميلة هى التى تُبدّل نظرتك إلى الأشياء». هكذا فعل بى الكاتبُ الكبير «صلاح منتصر» الذى فقدناه بالأمس، وكان بالحق «قصيدةً حيّة».

وأنا بعدُ صبيّةٌ فى الثانوية العامة، قرأتُ فى عموده بالأهرام هذه العبارة: «الآن، قُلْ لمَن تحبُّه، إنك تحبُّه. لا تؤجل قولها، فربما لا تأتى الفرصة مجددًا». وأنا ابنةٌ لأمٍّ عملية جادّة علّمتنى أن نقول «الحب» بالفعل لا بالقول. علّمتنى أمى أن التعبير عن الحب بالكلام لونٌ من ابتذال الحب. فالحبُّ مسؤوليةٌ وعملٌ والتزامٌ، لا كلمات. وقرّرتُ أن أخوض التجربة، فذهبتُ إلى أمى مباشرة وقلت لها فى خجل: «ماما على فكرة أنا بحبك!»، لمحتُ على وجهها شبهَ ابتسامةٍ سرعان ما اختفت، وردّت فى اقتضاب: «طيب، روحى ذاكرى!» أخفقتِ التجربةُ مع أمى التى تؤمن بفلسفة: الكلامُ يُميتُ العمل. لكن التجربةَ لم تخفقُ مع كثيرين مرّوا بحياتى هم فى أمسِّ الحاجة إلى سماع كلمة: «أحبك!»، تلك الكلمةُ الخفيفةُ فى القول، الثقيلةُ فى الميزان، قد تكون كل ما يحتاجون إليه. هكذا تعلمتُ من «صلاح منتصر» درسًا نسيت والدتى أن تعلمَنيه. الفعلُ هو جوهر الحقيقة وفلسفة الوجود، لا شك، لكنَّ للكلمة سحرًا علينا ألا نغفلَه كذلك. المهمُّ أن تأتى الكلمةُ فى ثوبها الصحيح وتوقيتها المناسب. لمستُ الأثرَ الهائل لكلمة «أنا بحبك» فى دور المسنين التى أستمتع بزيارتها كلما نفدت شحنتى وأردتُ أن أحتشد بالطاقة والحب. لمستُ أثرَها العجيب فى تغيير بشرٍ كانوا لا يعرفون الحب وينشرون لعناتِهم على الناس، تغيّروا حين شعروا أن هناك مَن يحبّهم. لمستُ أثرَها العذبَ فى دور الأيتام، حينما تقولُها لطفلةٍ غادرها أبواها فسقطت من فوقها مظلةُ الأمان والحب.

فى حفل أقامته جريدة «المصرى اليوم» قبل خمسة عشر عامًا، شاهدتُ «صلاح منتصر» يجلس إلى طاولة بعيدة. مشيتُ نحوه وقد قررت أن أقول له: «أحبك» لأنه من علمنى أن أقولها قبل فوات الأوان. نهض حين رآنى وأشرق وجهُه بتلك الابتسامة الطيبة التى يعرفها ويحبُّها كلُّ مَن عرفه. حاولتُ أن أقول له: «أحبك أيها الأستاذ الذى تعلمتُ على يديه الكثيرَ، وأدينُ له بالكثير و و و و». لكننى لم أقل شيئًا! بشاشةُ وجهه عقدت لسانى، فاكتفيتُ بمصافحته بكل ما أكنُّ له من حبٍّ واحترام وامتنان.

«صلاح منتصر» إحدى علاماتِ مصرَ البارزة ليس فى عالم الصحافة وفقط، بل فى جبهة الوطنية وحقل التنوير والمسؤولية الاجتماعية. كان «مثقفا عضويًّا» منخرطًا فى مشاكل مجتمعه غيرَ منعزل فى صومعة الكُتّاب بين الكتب والأوراق والقلم. يشعر بمسؤوليته عن شباب مصر كأنهم أبناؤه، بل بوصفهم أبنائه. لهذا علّم الآباء والأمهات كيف يحتضنون أبناءهم لئلا يفقدوا بوصلةَ التواصل معهم فيضيعون بين أمواج الحياة الهادرة. حملتُه الشرسة فى محاربة التدخين لم تقتصر على مقالاته الطيبة فى عموده الشهير بالأهرام: «مجرد رأى»، بل توسعت لتغدو حملةً قومية اتخذت لنفسها عنوان: «أنتَ سيدُ قرارك» استلّته من مقالات «صلاح منتصر»، وغدت من مقررات «الثانوية العامة» لتعلم النشء مخاطرَ التدخين، وسوف تظل تلك الحملة حيّةً تتنفس لتنقذ ملايين الشباب من غول التدخين الشرس.

«صلاح منتصر» من الكتّاب النادرين الذين أجمع على حبّهم الجميع. فقد كان صفاءُ قلبه منعكسًا بجلاء على وجهه، وكذلك على مداد قلمه. رجلٌ لم يعرف إلا الحب. حب الوطن وحب أبناء الوطن، حب البشر وحب الإنسانية، ومساندة كلّ من يلجأ إليه، والأخذ بيد أصحاب الخُطى الأولى فى بلاط صاحبة الجلالة.

بوسع المرء أن يلمس المحبة الهادرة التى يكنُّها المصريون والعرب لهذا الراحل الكبير، بمجرد نظرة سريعة على سرادق العزاء الهادر الذى حضرناه الأسبوع الماضى فى مسجد المشير طنطاوى. بوسعك أن تختصر القول فى عبارة: «كانت مصرُ والوطنُ العربى هناك!» العديد من رجالات الدولة والوزراء والسفراء والساسة والمفكرين والأدباء والصحفيين والإعلاميين، ووفود من الأشقاء العرب. وأرسل الرئيسُ «عبدالفتاح السيسي» مندوبًا عنه ليقدم واجبَ العزاء لأنه رئيسٌ مثقف يحترم القلمَ والفكر. ووقف الأستاذ «عبدالمحسن سلامة»، رئيس مجلس إدارة الأهرام، ليستقبل العزاء من الوافدين الذين ظلوا يتواترون على مدى الساعات ما بين الأصدقاء والقراء والتلاميذ الذين لا ينسون فضل أستاذهم.

أستاذى العزيز «صلاح منتصر»: ربما لم أقل لكَ كم أحبّك قبل فوات الفرصة كما علمتَنا أن نفعل، لكننى قلتُها حين عانقتُ زوجتَك الجميلة فى ثوب حدادِها، يوم الفراق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«صلاح منتصر» هل قلتُ لكَ أحبُّك «صلاح منتصر» هل قلتُ لكَ أحبُّك



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon