توقيت القاهرة المحلي 10:11:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اللواء «قدري الزهيري».. الرحمةُ التى غابت!

  مصر اليوم -

اللواء «قدري الزهيري» الرحمةُ التى غابت

بقلم - فاطمة ناعوت

قبل أن يترجّل عن حِصانه، ويتركُنا كسيرى القلب، ويمضى مع الماضين إلى حيث وجه الرحمن، حدّثنى فى الهاتف ليسأل عن ابنى «عمر» وتقدّمه فى الفروسية والموسيقى والرسم وغيرها من مواهبه الجميلة، ثم أخبرنى بكل هدوء بأن زائرًا ثقيلًا قد زاره، وراح يشكرُ اللهَ كثيرًا، ويطمئننى أنه بخير وأن علىَّ ألا أجزعَ لأن المرضَ رحمةٌ من الله مثلما الصحة رحمة. تلك عادته حين يحكى بهدوء وصوت خافت عن الكوارث، كفظائع بنى صهيون فى الأرض المحتلة. الزائر هو «السرطان» لا سامحه الله، إذ اختطف منّا رجلًا بكل هذا الجمال والرحمة والشهامة والوطنية والإيثار. كتب على صفحته هذه القطعة الأدبية الفلسفية الرائعة، تحت عنوان «المرض الصامت».

[مرضٌ لا ترى له ملامحَ ولا تشعر له بأعراض. مرضٌ تسرى آثارُه على النفس ببطء وهدوء ورَوِيّة. إنه مرض «إِلْفُ النّعمة». أن تشعر بأن ما معك وما حولك جزءٌ من تكوينك! فأنت ترى لأنك وُلدت بعينين، وتسمع لأن لك أذنين، وتشترى لأنك تملك المال، وتتحدثُ لأنك قادرٌ على التعبير! تذهب للتسوق وتملأ العربة بما تريد وتعود لمنزلك؛ لأن هذا حقك فى الحياة! أن تشعر بالجوع فتفتح الثلاجة وتأخذ مما فيها بهدوء وتأكل وتشبع بتلقائية؛ وكأن هذا هو ما يحدث مع جميع الناس! أن تألَف نِعمَ اللهِ عليك وكأنها «حقٌّ مكتسب»! فإذا أَلِفْتَ النعمة؛ صرتَ تأكل دون أن تذْكر مَن بات جائعًا، أو من يملك الطعام ولا يستطيع أن يأكله لمرض. فتنسى أن تحمد الله. صحوت ترى وتسمع وتتكلم ولا تتذكر أيًّا ممن فقد تلك النعم، فتنسى أن تحمد الله! تخرج للعمل أو التنزه ثم تعودُ إلى المنزل دون أن تحمد الله على نعمة المال والامتلاك والبيت الذى فيه تنام!! رتابةُ النِّعَم تأخذنا إلى عدم الإحساس بها.

الرِّزقُ ليس «زيادة ما عندك» بل فى «أَنَّ عندك ما عندك». فلا تجعل نفسك تُرغمك أن تألف النِّعَم، بل أرغمْ نفسَك أن تألَف الْحَمْد. فلا يجب أن تزول عنك النعمةُ أو تتهدد بفقدها، حتى «تُقدّر» قيمتها. اللهم كما رزقتنا النعم ارزقنا الامتنانَ لك على تلك النعم، واجعلنا حامدين شاكرين، نُقدّر نعمك علينا. واعصمنا من أن نألفها وننسى أنها منحةٌ منك... بوسعك أن تستردها وقتما وكيفما تشاء].

بعد هذا الدرس الوجودى الفلسفى الإيمانى العميق، كنتُ أراسلُه لأطمئن عليه، وكان يطمئننى أنه فى أفضل حال. وفى عزّ مرضه تذكّر أمنية ابنى أن يعود للتمرين فى «نادى الفروسية» للقوات المسلحة، بعدما تركه منذ شهور لانشغاله بالموسيقى، وقبل أيام قليلة من رحيله، هاتف «عمرَ» ليخبره أنه لم ينس طلبه. كان يطمئننا ويطمئن على أحوالنا حتى خِلنا أن الزائر اللعين قد لملم أشياءه ورحل عن جسده النحيل وروحه الطيبة. ولم نكن ندرى أن المرضَ سائرٌ فى طريقه الشرس يرفض الانهزامَ أو العدول؛ رغم دعوات آلاف الطيبين الذين يدينون للراحل العظيم بأياديه البيضاء عليهم، وأنا منهم.

حين كتبتُ رثاءً له على صفحتى، وشكرته على دعمه لى فى مشوارى الصعب مع ابنى المتوحد، وعلى ما قدمه لأبى الروحى الفنان الوطنى «سمير الإسكندرانى» ومرافقته له طوال رحلة مرضه وحتى رحيله، فوجئت بمئات التعليقات والرسائل تحكى عن أياديه البيضاء على كاتبيها!

وداعًا سيادة اللواء المحترم «أحمد قدرى الزهيرى». العظيم الذى كان نعمةً علينا من نعم الله. رحيلك موجعٌ وقاسٍ؛ لأن مثلك لا تجود به الحياةُ كثيرًا. برحيلك المفاجئ فقدتُ أبًا غاليًا ورجلًا وطنيًا عزّ نظيرُه، وأستاذًا مثقفًا رفيع الطراز. اللهم أسكنه مسكنًا طيبًا يليق بنقائه وأياديه البيضاء التى مدّها لكل من قصده.

■ ■ ■

(رحيل)

هذا الحائطُ الصلبُ

الذى يفصِلُ الآنَ

بين الحياةِ وبينكَ

ما كان ينبغى له أن يكونَ حائطًا

ولا صلبًا

إذْ كان بوسعِه

أن يغدوَ

زهرةً فى حديقتك

أو قطرةً

فى شلالِ عطرٍ

أو غُصنَ زيتونٍ

فى منقارِ يمامةٍ بيضاءْ

تُهديه إلى زوجتك

التى ما جفَّ دمعُها

منذ مضيتَ

ولن يجفَّ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللواء «قدري الزهيري» الرحمةُ التى غابت اللواء «قدري الزهيري» الرحمةُ التى غابت



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon