توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اللواء «قدري الزهيري».. الرحمةُ التى غابت!

  مصر اليوم -

اللواء «قدري الزهيري» الرحمةُ التى غابت

بقلم - فاطمة ناعوت

قبل أن يترجّل عن حِصانه، ويتركُنا كسيرى القلب، ويمضى مع الماضين إلى حيث وجه الرحمن، حدّثنى فى الهاتف ليسأل عن ابنى «عمر» وتقدّمه فى الفروسية والموسيقى والرسم وغيرها من مواهبه الجميلة، ثم أخبرنى بكل هدوء بأن زائرًا ثقيلًا قد زاره، وراح يشكرُ اللهَ كثيرًا، ويطمئننى أنه بخير وأن علىَّ ألا أجزعَ لأن المرضَ رحمةٌ من الله مثلما الصحة رحمة. تلك عادته حين يحكى بهدوء وصوت خافت عن الكوارث، كفظائع بنى صهيون فى الأرض المحتلة. الزائر هو «السرطان» لا سامحه الله، إذ اختطف منّا رجلًا بكل هذا الجمال والرحمة والشهامة والوطنية والإيثار. كتب على صفحته هذه القطعة الأدبية الفلسفية الرائعة، تحت عنوان «المرض الصامت».

[مرضٌ لا ترى له ملامحَ ولا تشعر له بأعراض. مرضٌ تسرى آثارُه على النفس ببطء وهدوء ورَوِيّة. إنه مرض «إِلْفُ النّعمة». أن تشعر بأن ما معك وما حولك جزءٌ من تكوينك! فأنت ترى لأنك وُلدت بعينين، وتسمع لأن لك أذنين، وتشترى لأنك تملك المال، وتتحدثُ لأنك قادرٌ على التعبير! تذهب للتسوق وتملأ العربة بما تريد وتعود لمنزلك؛ لأن هذا حقك فى الحياة! أن تشعر بالجوع فتفتح الثلاجة وتأخذ مما فيها بهدوء وتأكل وتشبع بتلقائية؛ وكأن هذا هو ما يحدث مع جميع الناس! أن تألَف نِعمَ اللهِ عليك وكأنها «حقٌّ مكتسب»! فإذا أَلِفْتَ النعمة؛ صرتَ تأكل دون أن تذْكر مَن بات جائعًا، أو من يملك الطعام ولا يستطيع أن يأكله لمرض. فتنسى أن تحمد الله. صحوت ترى وتسمع وتتكلم ولا تتذكر أيًّا ممن فقد تلك النعم، فتنسى أن تحمد الله! تخرج للعمل أو التنزه ثم تعودُ إلى المنزل دون أن تحمد الله على نعمة المال والامتلاك والبيت الذى فيه تنام!! رتابةُ النِّعَم تأخذنا إلى عدم الإحساس بها.

الرِّزقُ ليس «زيادة ما عندك» بل فى «أَنَّ عندك ما عندك». فلا تجعل نفسك تُرغمك أن تألف النِّعَم، بل أرغمْ نفسَك أن تألَف الْحَمْد. فلا يجب أن تزول عنك النعمةُ أو تتهدد بفقدها، حتى «تُقدّر» قيمتها. اللهم كما رزقتنا النعم ارزقنا الامتنانَ لك على تلك النعم، واجعلنا حامدين شاكرين، نُقدّر نعمك علينا. واعصمنا من أن نألفها وننسى أنها منحةٌ منك... بوسعك أن تستردها وقتما وكيفما تشاء].

بعد هذا الدرس الوجودى الفلسفى الإيمانى العميق، كنتُ أراسلُه لأطمئن عليه، وكان يطمئننى أنه فى أفضل حال. وفى عزّ مرضه تذكّر أمنية ابنى أن يعود للتمرين فى «نادى الفروسية» للقوات المسلحة، بعدما تركه منذ شهور لانشغاله بالموسيقى، وقبل أيام قليلة من رحيله، هاتف «عمرَ» ليخبره أنه لم ينس طلبه. كان يطمئننا ويطمئن على أحوالنا حتى خِلنا أن الزائر اللعين قد لملم أشياءه ورحل عن جسده النحيل وروحه الطيبة. ولم نكن ندرى أن المرضَ سائرٌ فى طريقه الشرس يرفض الانهزامَ أو العدول؛ رغم دعوات آلاف الطيبين الذين يدينون للراحل العظيم بأياديه البيضاء عليهم، وأنا منهم.

حين كتبتُ رثاءً له على صفحتى، وشكرته على دعمه لى فى مشوارى الصعب مع ابنى المتوحد، وعلى ما قدمه لأبى الروحى الفنان الوطنى «سمير الإسكندرانى» ومرافقته له طوال رحلة مرضه وحتى رحيله، فوجئت بمئات التعليقات والرسائل تحكى عن أياديه البيضاء على كاتبيها!

وداعًا سيادة اللواء المحترم «أحمد قدرى الزهيرى». العظيم الذى كان نعمةً علينا من نعم الله. رحيلك موجعٌ وقاسٍ؛ لأن مثلك لا تجود به الحياةُ كثيرًا. برحيلك المفاجئ فقدتُ أبًا غاليًا ورجلًا وطنيًا عزّ نظيرُه، وأستاذًا مثقفًا رفيع الطراز. اللهم أسكنه مسكنًا طيبًا يليق بنقائه وأياديه البيضاء التى مدّها لكل من قصده.

■ ■ ■

(رحيل)

هذا الحائطُ الصلبُ

الذى يفصِلُ الآنَ

بين الحياةِ وبينكَ

ما كان ينبغى له أن يكونَ حائطًا

ولا صلبًا

إذْ كان بوسعِه

أن يغدوَ

زهرةً فى حديقتك

أو قطرةً

فى شلالِ عطرٍ

أو غُصنَ زيتونٍ

فى منقارِ يمامةٍ بيضاءْ

تُهديه إلى زوجتك

التى ما جفَّ دمعُها

منذ مضيتَ

ولن يجفَّ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللواء «قدري الزهيري» الرحمةُ التى غابت اللواء «قدري الزهيري» الرحمةُ التى غابت



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon