بقلم - فاطمة ناعوت
تحلُّ بعد يومين ذكرى عودة رفات شهدائنا الأقباط فى مذبحة «سِرت» الليبية إلى تراب أرضنا الطيبة، حتى تقرَّ جثامينُهم الطاهرةُ فى حضن أمِّهم مصرَ. «ولا تَحسبَنّ الذين قُتلوا فى سبيلِ الله أمواتًا، بل أحياءٌ عند ربِّهم يُرزقون». واحدٌ وعشرون شريفًا من عمّال مصر تغرّبوا عن ديارهم وأهليهم ليسافروا إلى ليبيا، علّهم يعودون ببعض المال لتعليم أطفالهم ورعايتهم.. لكنهم ما عادوا؛ بل صعدت أرواحُهم للسماء وهم أعزّاء رافعو الرأس لا يهابون الموت فى سبيل الله والوطن. نحرت أعناقَهم يدُ داعش الخرقاءُ الخؤون فى فبراير ٢٠١٥، وعادت رُفاتهم إلى أرض الوطن فى ١٥ مايو ٢٠١٨. يوم استشهادهم أعلن الرئيسُ «عبدالفتاح السيسي» الحدادَ الرسمى فى سماء مصر سبعةَ أيامٍ، وتوجه إلى الكاتدرائية لتقديم واجب العزاء فى أرواح أبناء مصر الكريمة، ثم عاد من فوره ليتابع بنفسه العمليات العسكرية الجوية المصرية التى دمرت عددًا من معسكرات ومناطق تمركز وتدريب داعش ومخازن أسلحتها وذخائرها فى ليبيا، ثأرًا لأرواح شهداء مصر.
وتردد فى أرجاء مصرَ بيانٌ شديدُ اللهجة من القيادة العامة للقوات المسلحة بتاريخ ١٦ فبراير ٢٠١٥، أعلن إتمامَ القصاص للشهداء، ويحملُ إنذارًا مخيفًا ووعيدًا لجميع التنظيمات الإرهابية التى تستهدفُ الأرواح المصرية داخل مصر وخارجها. ومازالت كلماتُ البيان محفورةً فى ذاكرتى: (تؤكد القواتُ المسلحة المصرية أن الثأرَ للدماء المصرية حقٌّ واجبُ النفاذ. وليعلم القاصى والدانى أن للمصريين درعًا تحمى وتصون أمنَ البلاد، وسيفًا يبترُ يدَ الإرهاب والتطرف).. بيانٌ عسكرى سيادىّ عظيمٌ أشعرنا نحن المصريين بالأمان، إذْ يُظلِّلنا جيشٌ جسورٌ يحمى حدود الوطن، ويذود عن أرواحنا داخل الوطن وخارجه، ولا يسامحُ فى قطرة دم مصرية، لا مجال للمساومة بشأنها.
جاء الردُّ الجوى القاصم من قواتنا المسلحة ثأرًا لدم شهدانا فى ليبيا، استمرارًا وتأكيدًا على نهج الرئيس السيسى الجسور الذى أعلنه منذ يومه الأول فى الحكم: إن كرامة أى مواطن مصرى هى كرامة مصر وشرفها. كانت رسالة الرئيس السيسى واضحةً منذ يومه الأول فى الحكم بشأن مبدأ المواطَنة. فزيارة الرئيس المصرى التاريخية للكاتدرائية المصرية يوم ٦ يناير ٢٠١٥ وتوجيه كلمة إلى العالم لم تكن وحسب تهنئة لقداسة البابا وأقباط مصر بعيد الميلاد المجيد، بل كانت إيذانًا بعهد جديد من العدالة والمواطنة، يقف فيه رأسُ الدولة المصرية على مسافة متساوية من جميع المصريين كافة، مهما اختلفت عقائدهم.. إذ العقيدةُ شأنٌ خاصٌّ بين الإنسان وربه، بينما الوطنُ شأنُنا العام نحن جميع المواطنين، وهمّنا المشترك.
وتاريخنا المصرى العريق يشهد بأن تعاقُبَ الأديان على المصريين قد زرع فينا التسامحَ العقدىّ. فيذكر المؤرخون أن الأقباط المسيحيين كانوا يستعيرون فى أعيادهم البُسُطَ والشمعدانات من المساجد، مثلما كان الأقباطُ المسلمون يستعيرون الأشياء ذاتها من الكنائس فى أعيادهم. وكانت الأديان الثلاثة تنظّم موكبًا مقدسًا مشتركًا على ضفاف نيل مصر إن تأخر الفيضان، يتقدمه السلطان، ثم الخليفة، ثم قاضى القضاة ثم شيخ الأزهر ورجال الكنيسة المصرية وأحبار اليهود.. يتبعهم حَمَلَةُ الكتب المقدسة الثلاثة، ليتضرع الجميع إلى الله، كلٌّ عبر معتقده، حتى يفيض النيل وتزدهر البلاد.. هكذا أراد اللهُ لمصرَ، وهكذا أردنا نحن المصريين. هكذا كنّا، وهكذا سنظلُّ، إلى أن يستردّ الله الأرضَ ومَن عليها.
هنا أتذكر موقفًا رسميًّا كريمًا آخر كنتُ شاهدةً على أحداثه قبل سنوات، أحبطت فيه مصرُ مذبحةً أخرى خططها داعش لتصفية عمال أقباط آخرين فى ليبيا. راسلنى مواطنٌ مصرى يستغيث لإنقاذ شقيقه «رومانى طلعت سامى» وخمسة من أقربائه يعملون فى ليبيا فى مجال المعمار، فشلوا فى العودة لمصر بعد تفجيرات مطار طرابلس، وسطو بلطجيةٍ على أموالهم وجوازات سفرهم.. خافوا من الوقوع فى يد داعش إن عادوا برًّا. اتصلتُ بالسفير العظيم «بدر عبدالعاطى»، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية المصرية آنذاك، وخلال دقائق هاتفنى سفيرُنا المصرى لدى ليبيا د. «محمد أبوبكر»، للوقوف على تفاصيل الرسالة.. وعلى الفور، أرسلت لهم الخارجيةُ المصرية طائرةً خاصة انتشلتهم من ليبيا وعادوا سالمين إلى أرض الوطن العزيز الذى لم ولن يخذلنا. فى اليوم العالمى للعيش فى سلام ١٦ مايو، أدعو اللهَ أن يجعل شهداءنا جميعًا قربانًا لنهاية التطرف فى العالم على يد جيشنا المصرى العظيم. اللهم اربطْ بالصبر الجميل على قلوب أهالى شهدائنا الأطهار، وأحسن مقامهم فى فردوسك الأعلى، واحمِ جيشنا العظيم، واحفظ رئيسنا الجسور «عبدالفتاح السيسى»، الذى يحفظ كرامتنا ويشهرُ سبابةَ النذير فى وجه كل من يستهدف بالشرّ مواطنًا مصريًّا.
«تحيا مصر»