بقلم - فاطمة ناعوت
أسبوعٌ روحانىٌّ فريد تمرُّ به مصرُ فى العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم، أعاده اللهُ علينا ومصرُ فى أعلى العُلا.
تزامنتْ أعيادُنا نحن المصريين مسلمين ومسيحيين وتوافَقَ صيامُنا ورفعنا معًا دعواتنا للإله الواحد بأن يحفظَ مصرَ ورئيسَ مصرَ ونيلها وجيشَها.
بدأ أسبوعُ الآلام السبت قبل الماضى ضمن صيام المسيحيين خمسةً وخمسين يومًا، تلاه «أحدُ السعف»، الذى جدلنا فيه جريدَ النخيل احتفالًا بذكرى دخول السيد المسيح، عليه السلام، مدينةَ أورشليم/ القدس رسولًا للسلام والمحبة والتسامح، ثم «خميس العهد»، الذى تناول فيه السيد المسيح «العشاء الأخير» مع تلامذته، وأوصاهم أن يحبّوا أعداءهم ويغفروا لمَن يسىء إليهم، وعاهدوه على نشر السلام فى الأرض. وفى تلك الليلة يشِى به تلميذُه الخائنُ «يهوذا الإسخريوطى»، فيُقبض عليه ليلًا، ويُحاكم فى اليوم التالى: «الجمعة العظيمة»، التى يحاكِم فيها اليهودُ رسولَ السلامِ، السيدَ المسيح، الذى كان يجولُ يصنع خيرًا، يتلوه «سبتُ النور المقدس»، ثم أمس الأحد، «عيدُ القيامة المجيد»، الذى احتفلنا بعشيته مع أشقائنا المسيحيين صباحًا فى الكنيسة الإنجيلية بمصر الجديدة، ومساءً فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.
واليومَ عيدُ «شمّ النسيم»، وخلال أيام تحلُّ علينا «ليلةُ القدر» المباركة، التى نزل فيها «القرآن الكريم» ولا تُردُّ فيها دعوةُ داع. ثم يحلُّ علينا الأسبوعُ القادمُ «عيدُ الفطر المبارك»، ومصرُ فى رباط وعزّة وعلوّ بإذن الله تعالى. خلال شهر رمضان، أقام لنا مسيحيو مصر العديدَ من موائد الإفطار الرمضانى الطيبة. كان آخرها الإفطار الدافئ الذى يقيمه كلَّ عام رجلُ الأعمال الوطنى السيد «منير غبور» وزوجته الجميلة «ميما هانم غبور». فى تلك الليلة من كل عام نلتقى على المحبة واللقمة الهنيّة لنتأكد أننا شعبٌ قوىّ غيرُ قابل للتصدّع والفُرقة والشتات، مهما حاول أعداءُ مصرَ أن يغرسوا بيننا نبتاتِ البُغضة والطائفية. تذوب شتلاتُ الهالوك وتتحلّل داخل طمى بلادنا لتتحول إلى جذور محبة وتضامّ، وتنمو أشجار من الحب والوطنية تُظلِّل أرض مصرَ، الطيبة بأهلها الطيبين.
قبل خمسة آلاف عام، كان المصريون القدامى يحتفلون بعيد «شم النسيم»، بإقامة مهرجان هائل، يحتشدون فيه أمام الواجهة الشمالية للهرم الأكبر، قُبيل الغروب.
ثم يَشخصون بعيونهم نحو قرص الشمس البرتقالىّ وهو يميلُ بالتدريج غاربًا، مقتربًا من قمة الهرم؛ حتى تستقرّ الشمسُ فوق ذؤابة الهرم؛ كأنما تُتوّجه بحجر مشعٍّ كريم. وهنا تحدث ظاهرة فلكية مدهشة، حين يخترق شعاعُ الشمس واجهةَ الهرم، فكأنما يشطر المثلث نصفين، فى مشهد أسطورى ساحر. رصده عالمُ الفلك البريطانى «بركتور» عام ١٩٢٠ وصوّرَ لحظة انشطار واجهة الهرم «مجازيًّا» بشعاع الشمس.
«شمّ النسيم» أقدمُ مهرجان شعبىّ فى التاريخ ابتكره الجدُّ المصرى القديم ليحتفل بالحياة وعبقرية الخلق من العدم، فالمصريون القدامى كانوا أكثرَ شعوب الأرض حبًّا للحياة واحتفاءً بها. لهذا احتفلوا بالربيع؛ إذْ تتفتح الزهورُ لتعلن عن ميلاد جديد. مع شروق الشمس يبدأون احتفالَهم بتلوين البيض، وكأنما يلوّنون الحياةَ، فالبيضةُ رمزُ الحياة التى تُخرِجُ الحىَّ من الميّت؛ فيخرج الكتكوت من كهف قشرىّ ميت، مثلما تخرجُ اليرقةُ من شرنقة الحرير، فتطيرُ وتملأ الفضاء حياةً وفرحًا.
«شم النسيم» يؤكد أن المصريين أبناءُ الحياة، لا أبناء الموت. يهتفُ صوتُ مصر فى «الجمهورية الجديدة» قائلًا: «أحِبُّوا بعضَكم بعضًا وأحِبُّوا أرضكم الطيبة، وارفعوا رايتى عاليةً بين الأمم. قاتلُ أخيه فيكم ليس مِنّى، فأنا لا أنجبُ المجرمين.
نِيلى وطمى أرضى حلالٌ للطيبين حرامٌ على كلِّ خائن يكره استقرارى وأمنى. مباركٌ شعبى مصر، ادخلوا مصرَ إن شاء اللهُ آمنين، فكل مَن يدخل مصرَ آمنٌ. أنا الأرضُ التى ابتكرت فنونَ الحياة، وخصّتها بيوم فريد، توّجته أولَ الزمان».
تعلّم المصرىُّ القديم أن يحدّد بداية السنة الشمسية باليوم الذى يتساوى فيه الليلُ والنهار طولًا، وقت حلول الشمس فى برج الحمل. كان الجدُّ المصرىُّ يؤمن أن بداية خلق العالم كانت فى ذلك اليوم الربيعى الفريد، ٢٥ برمهات. ولهذا اعتبره المصريون غُرّة الربيع وأول الزمان.
المصريون فى كل زمان هم أبناءُ ثقافة الحياة، وليس الموت. ليس منّا مَن يُهرق الدماءَ البريئة على بُساط أرضها ليكسو الوجوهَ بالحَزَن. ليس منّا مَن يُثكل الأمهاتِ ويُرمل الزوجاتِ ويُيتِّم الأطفالَ. ليس مِنّا مَن يحمل النصالَ ليقتل أبرياءَ مسالمين. ليس منّا مَن يُدثّر البيوتَ بثياب الحداد. مصرُ الجميلة نهضت من كبوتها التى غرسنا فيها المتطرفون والإرهابيون ولن تعود للانكسار أبدًا بإذن الله. تحيا مصر ويحيا رئيسُ مصرَ العظيم «عبدالفتاح السيسى» ويعيش جيشُنا الباسل. كلُّ عام ومصرُ عظيمةٌ بشرفائها نبلاءِ القلوب.