توقيت القاهرة المحلي 08:39:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الذين يرشقونَ نوافذَ القطارات!

  مصر اليوم -

الذين يرشقونَ نوافذَ القطارات

بقلم - فاطمة ناعوت

مَن يقرأ عنوانَ المقال سوف يظنُّ لوهلةٍ أنه مقتطفٌ من قصيدة أو عبارة سابحة فى قطعة أدبية. فالقطاراتُ مصدرُ إلهام للشعراء؛ لأنها سطرٌ مارقٌ فى الحياة، يحملُ اللقاءات والوداعات، وينقلُ المعلومَ إلى المجهول، وقد يسرقُ منّا أحبابَنا إلى حيث لا يعودون، أو يخطفُ أحلامَنا ويمضى إلى حيث يمضى القنّاصةُ بما قنصوا. ورُبَّ عاشقٍ ينتظرُ قطارًا يحمل حبيبتَه، ورُبَّ ثكلى لا تبرحُ رصيفَ المحطة تنتظرُ عودة ابنها الشهيد. كذلك «النوافذ» مفردةٌ شِعرية. فخلف ستارة كل نافذة فى هذا العالم، دراما وحكايا لا تنتهى. حتى مفردة «يرشقُ» تحمل من الشِّعر ما تحمل. فسهامُ الحب تنطلق من قوس كيوبيد لترشقَ قلوبَ العشاق، والرُّماةُ يرشقون طرائدهم بالرماح لترتسم لوحاتُ الخوف والوجل وتتلوّن صفحةُ الحياة بفرشاة العذاب. ولكنك عزيزى القارئ الذى اختطفك الشعرُّ والخيالُ، حين تلمحُ «علامة التعجّب»(!) فى نهاية العنوان، سوف يُخامرُك الشكُّ، وتتلبّسك الحيرةُ، وترتدُّ إلى واقعنا ردًّا مباغتًا. لأن الشِّعرَ يتخفّفُ من علامات الترقيم، خصوصًا «علامات التعجب»!، فالشعرُ نفسه «حالة تعجّب»!، الشعرُ لا يطرحُ إلا العجائب من إشراقات القلوب والعقول؛ فلم يعد يثيرُ عجبَ الشِّعرِ عجيبٌ. لكلّ ما سبق، أرجو ألا أُفسِدَ عليكم نهاركم الطيبَ وأُخرجكم من تأملاتكم الشعرية لأخبركم بأن: لا شِعرَ فى الأمر ولا أدبَ ولا خيالاتٍ!، وأن «علامة التعجب» فى العنوان، وبعد كل جملة فى المقال، ضرورةٌ لُغوية لإبداء التعجب الحزين والدهشة المريرة، والاستياء المحبط!.

كنتُ فى المحطة أنتظرُ قطارى الجميل وأنا أعدُ نفسى برحلة مُلهمة ستقتنصُ الشِّعرَ من رؤوس الأشجار التى سترتحلُ معى عكسيًّا عبر نوافذ القطار، وأخمّنُ عدد الطيور التى ستُلوِّح لى بأجنحتها طوال رحلتى. وجاء القطارُ يتهادى مثل ملك فى موكبه، ثم توقّف ليُخرجَ من جوفه ما يحملُ ليستبدل بهم مسافرين آخرين. وفيما أجمعُ حقائبى وأحكى لابنى «عمر» عما ينتظرنا من بهجات وفرح فى رحلتنا الوشيكة بالقطار، وعيناى تمرّان بشغف على نوافذ القطار، وجدتُ نوافذَ مموّهةً بانعكاسات الضوء كأنها من الألماس وليس الزجاج الشفاف الذى اعتدناه فى النوافذ!، سألتُ مَن حولى: «لماذا هناك نوافذُ شفافة وأخرى غير ذلك؟!»، ولم أنتظرُ الإجابة واقتربتُ من إحدى تلك النوافذ، لأكتشف أنها مهشّمةٌ دون انهيار، فيما يشبه ما نسميه فى أدبيات السيارات: «كانسر الزجاج»!، المدهشُ أن النوافذ المسرطنة أكثر عددًا من السليمة!، هتفتُ بصوت عال: «إيه ده؟!»، ووقفتُ لأتلقى الإجابة!، دهشتى من عدد النوافذ المهشمة، تضاءلت أمام إدهاش الإجابات التى تلقيتُها. المدهشُ أن الإجابة جاءتنى ببساطة وكأنها من طبائع الأمور!، قالوا لى: «ده بسبب العيال اللى بترمى الطوب على القطار طول رحلته». قالوها هكذا ببساطة ودون دهشة ولا علامة تعجب!، مدهشٌ جدًّا أن تنطقَ بالمُدهش دون دهشة!. سألتهم: «ليه؟!»، فقالوا: «ليه إيه؟»، كررتُ سؤالى بدهشة أكبر: «ليه الأولاد بيرموا الطوب على القطار؟!»، فتوالت الدهشاتُ كرصاصات فى قلبى!، منهم من قال: «كده!»، ومنهم من رفع كتفيه وحاجبيه وصمت، ولم يدرِ بماذا يجبُ!، ومنهم من اندهش من دهشتى ورمقنى شزرًا كأننى حمقاءُ تسأل عن أشياءَ إن تُبدَى لى تسوؤهم!، ومنهم من استنكر سؤالى لأنه سؤالٌ غبى!. دخلتُ القطار حزينةً وأنا أقبضُ على يد ابنى «عمر» خوفًا عليه من عالمٍ عجيب يرشقُ فيه الأطفالُ نوافذَ قطارات «وطنهم» دون سبب!، أو لسبب مجهول لم يتوصل إليه خبراءُ علم الاجتماع!. جلستُ فى مقعدى، وقد نفضتُ عنى كل الحكايا التى خبأتُها لأحكيها لطفلى الكبير طوال الرحلة!، وفتحتُ هاتفى على محركات البحث حول رشق القطارات فى مصر!، فهالنى أنها ظاهرةٌ مخيفة تحاولُ الدولة التصدى لها بصكّ القوانين والتلويح بالعقاب لمتهمين مجهولين!، هم من «الأطفال»، أحباب الله، الذين لا جُناح عليهم ولا هم يعرفون ماذا يفعلون!.

هالتنى أخبارٌ من قبيل: «كشف رئيس رابطة قائدى قطارات السكة الحديد، أن القطارات تتعرض بشكل يومى لاعتداءات بإلقاء الحجارة بمداخل المحطات التى تتمركز فيها المساكن العشوائية والمدارس والأسواق، وتزداد ظاهرة التعدى أثناء الدراسة، ويرشق الطلابُ القطار بوابل من الطوب والحجارة». وأكمل: «لو قلنا فى يوم مفيش خساير، هيكون تكسير ٨ ألواح زجاج». رشق القطارات بالحجارة يعرض الركاب وسائقى القطارات للخطر، عطفًا إلى التلفيات التى يتم إصلاحها من ميزانية السكك الحديدية، ما يشكل عبئا على ميزانية الصيانة الدورية.

علينا مواجهة تلك الظاهرة المخجلة بدراسة الأمر بجدية لمعرفة طبيعة «المتعة» التى يجنيها الصغارُ من تلك الجريمة اليومية. علينا تسليح الصغار بالأخلاق لأنها وحدها التى تواجه هذه الظاهرة المدهشة. وفى مقال قادم سأقصُّ عليكم طرفًا من أسلوب تنشئة الطفل فى اليابان على قيمة «الأخلاق

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الذين يرشقونَ نوافذَ القطارات الذين يرشقونَ نوافذَ القطارات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon