بقلم - فاطمة ناعوت
الثقافةُ المصرية، هى «حقلُ الألغام» الخطِر الذى يُغيّبُ كلَّ من يحاول المساسَ بهُوية مصر العريقة. وبالفعل كانت «الثقافة والفنون» الحصنَ الذى كنت أنتظرُ أن يقتحمه الإخوانُ أثناء عامهم الأسود؛ لتكون فيه نهايتُهم، وهو ما حدث. كان «اعتصام المثقفين» شرارةَ الإطاحة بنظام الإخوان العاطل، فخرج أبناءُ مصر بالكروت الحمراء إيذانًا بطرد الإخوان من الوطن، وكان جيشُنا العظيم الصخرةَ التى تحمى ظهورنا، كأنما أوركسترا هائل يقوده مايسترو عظيم يحمى موسيقى الهدر الشعبى الثائر.
يأتى شهر يونيو من كل عام، فنتذكّر غضبتنا الكبرى من الإخوان قراصنة الأوطان، أعداء الفنون والعلوم. إبان حكم الإخوان، جاءوا (برجل عاطل عن الثقافة، ليحمل حقيبة الثقافة، فى دولة الثقافة!) تشعرُ عزيزى القارئ أن الجملة السابقة (بين القوسين) مختلّةُ المعنى موجعةُ الدلالة لا محلَّ لها من الإدراك السليم.
أشرق (اعتصامُ المثقفين)، مع بداية شهر يونيو ٢٠١٣. وكان الشرارةَ التى انطلقت من «دار الأوبرا» تضامنًا مع «مديرة دار الأوبرا» آنذاك، الفنانة «د. إيناس عبدالدايم»، التى قرر وزيرُ الثقافة الإخوانى إقالتَها ليحتلّ مكانَها إخوانىٌّ يكره الموسيقى بقدر ما نكره صهيون! ولم نقبل، نحن الشارعَ الثقافى، هذا العبثَ فخرجنا من دار الأوبرا لنحتلَّ وزارة الثقافة فى شارع «شجر الدرّ» بالزمالك، واعتصمنا بها لا نبرحُها لنمنع الوزيرَ الإخوانى من دخولها. ومن داخل الاعتصام هتفتُ للإخوان: (أهلًا بكم فى عُشّ الدبابير، موعدُ رحيلِكم قد آنَ أيها الإخوان!)، فالمثقفُ قد يصمتُ ويغضُّ الطرفَ مادام عُشُّه الثقافىُّ مُحصّنًا وشرنقته الإبداعية فى أمان. فإذا ما تهدَّد ذلك العشَّ خطرٌ ما، خرج عن صمته وانتفض. والتحمَ المثقفون والفنانون والأدباء على قول واحد وقرار: «لا محلَّ للإخوان فى ديارنا».
(موعدنا ٣٠ يونيو)، كانت العبارةَ التى أختتمُ بها جميعَ مقالاتى بجريدة «المصرى اليوم»، منذ قررنا قبل تسع سنوات تطهيرَ عرش مصر من سرطان الإخوان. بدأتُ الحشدَ ليوم عظيم من عمرى؛ بكامل عُدّتى وعتادى. أسلحتى هى: (القلمُ) فى مقالاتى وكتبى، (الحاسوبُ) فى التغريدات والبوستات، (الحنجرةُ) على شاشات الفضائيات والإذاعات والمحاضرات، و(اللافتاتُ) أحملُها وأجوبُ بها الطرقات.
أثناء حكم الإخوان حاول عضوٌ فى حزب النور السلفىّ منع «فن الباليه» قائلًا إنه «فن العُراة والفحش»! يومها سألتنى صديقتى الباليرينا «نيفين الكيلانى»: «هل حقًّا أجسامنا مثيرة للشهوات والفحش؟»، فأجبتها: «مريضٌ من تُثِر شهواتِه الفراشاتُ». وقلتُ للوزير الإخوانى على الهواء: (السيد علاء عبدالعزيز، أهلًا بك فى حقل الألغام، الذى سوف ينفجر فى وجوهكم بركانَ تحضّر وثقافة وفنون ورقى ووعى ونور). يومها تأكدتُ أن الإخوان إلى زوال، لأن من يقترب من هوية مصر وحصن ثقافتها لا مكان له فى أرضها. وأقسم المثقفون ألا يُفضّ الاعتصام، حتى يلتحم بثورة ٣٠ يونيو الشعبية الخالدة. كسّر المثقفون الأبراج العاجية التى يظن الناسُ أنهم يعيشون فيها منفصلين عن واقعهم ونزلوا إلى الشارع. اعتصم المثقفون على طريقة المثقفين. عزف العازفون، وألقى الشعراءُ قصائدهم، وهتفنا فى صوت واحد: «يسقط حكم المرشد».
نكتبُ هذا حتى يقرأ النشءُ الجديد شيئًا من تاريخ مصر الحديث لكيلا يسمحوا للوطن بأن يقع فى قبضة الشيطان مرة أخرى. علينا ألا ننسى ماذا فعل بنا الإخوان وماذا كانوا ينتوون أن يفعلوا لولا يقظة شعب وصلابة جيش وجسارة فارس وطنى نبيل، هو الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، حماه اللهُ لمصرَ وللمصريين.
دخل الإخوانُ بيتنا من باب: «الجهل والتجهيل». الجهلُ بالتاريخ والتجهيلُ العمدىّ بالدين، ذاك الذى مارسه أدعياءٌ على عقول البسطاء ليوهموهم بأن الإخوان يمثلون الإسلام، وتلك فريةٌ وكذبة. فالدينُ سلوكٌ متحضرٌ، وحبٌّ للبشر وحسنُ معاملة، ووطنيةٌ ونبلٌ وتضحيةٌ وإيثارٌ، وجميع ما سبق غيرُ مدوّن فى منظومة الجماعة التى تتلهّف للحكم بكل انتهازية منذ عام ١٩٢٨، يوم ميلادها على يد «حسن البنا» الذى رسم حُلمًا توحّش مع السنين والعقود ليصير غولًا شرسًا يلتهمُ الوطنَ وأبناءه. ولكى نحمى الوطن علينا بالتنوير، وهو ما يدعو إليه الرئيس المثقف عبدالفتاح السيسى. لأن «الجهل» هو العدو الأعمى الذى جاء بالإخوان لحكم مصر.
طويلٌ مشوارُنا التنويرىُّ حتى نوقدَ ما يكفى من شموع لمحو الظلام الذى رسمه الظلاميون فى أركان مصر وجوانبها. دعونا نوقد شموعَ التنوير فى مصر ونعمل بجدّ كما يجدُّ ويكدُّ الرئيسُ السيسى، حتى ننهضَ بمصرَ، وتُكلَّلَ ثورتُنا بالنجاح، ويغمر قلبَ مصرَ الفرحُ. مصرُ اليوم تنهضُ فى وثباتٍ متسارعة لا يُنكرها إلا أعمى أو كذوب. وسوف يشرقُ غدٌ قريبٌ على مصرَ، وهى «قد الدنيا».