توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصرُ تحتفلُ بمئوية «البابا الذهبى»

  مصر اليوم -

مصرُ تحتفلُ بمئوية «البابا الذهبى»

بقلم - فاطمة ناعوت

مصرُ كانت هناك، تحتفلُ بمئوية ميلاد رمز مصرى وطنىّ أجمعَ الناسُ على حبّه واحترامه. قداسة «البابا شنودة الثالث»، رحمه الله، الذي تحلُّ ذكرى ميلاده المائة هذا الشهر، حيث ولد يوم ٣ أغسطس عام ١٩٢٣، ورحل عن عالمنا في لحظة صعبة من تاريخ مصر يوم ١٧ مارس ٢٠١٢، ليودّعه عشراتُ الملايين من أبناء مصر مسيحيين ومسلمين. الخميس الماضى، في مركز المنارة للمؤتمرات الدولية، كانت قاعة المسرح الضخم حاشدة بأبناء مصر من الشخصيات العامة ورجال الدولة وسفراء عديد الدول؛ ذهبنا لنحتفل برجل صالح حمل مصرَ في قلبه وطنًا عزيزًا يُضحّى من أجله بكل شىء. شكرًا للعزيزة «هايدى جبران» التي قدّمت فيلمًا وثائقيًّا يحكى تاريخ «البابا الذهبى» منذ ميلاده وحتى رحيله.

شكرًا لكورال «أم النور» المشرق الذي قدّم لنا أغنياتٍ وطنية جميلة وترانيمَ روحية تمسُّ القلبَ. والشكر كلّه لنيافة «الأنبا أرميا» الأسقف العام، صاحب فكرة الحفل والمنسق لكل أمره والذى قال في كلمته إن «البابا شنودة كان إنسانىّ النزعة، عالمىّ الأفق». وشكرًا للكلمات الرائعة التي قيلت عن البابا شنودة تحكى مواقفه الطيبة الخالدة. حدثنا المفكر الكبير السفير د. «مصطفى الفقى» عن مكانة «البابا شنودة» ليس في مصر فقط، بل في جميع أنحاء العالم، وكيف كان الرؤساء يسعون لاستقباله حين يحلُّ ضيفًا على دولهم، وتكلّم «الأنبا بولا» عن دعمه له حين كان شابًا صغيرًا يخطو خطاه الأولى في مشواره الروحى، وحدّثنا «الأنبا موسى» أسقف الشباب عن حنوّ «البابا شنودة» مع الأطفال وكيف كان يحتفظ في مقّره البابوى بلعبٍ يقدّمها للأطفال بنفسه، وعلّمنا بأن كلمة «فرعون» المظلومة في العقل الجمعى أصلها «بار أون» وتعنى: «ابن الشمس»، وقد كان البابا من أبناء الشمس.

رحمَ اللهُ الرجل النبيلَ الذي علّم أبناءه أقباطَ مصرَ، أن يصبروا في الشدائد وأن ينفّذوا تعاليم السيد المسيح عليه السلام فيقابلوا الإساءةَ بالإحسان والأذى بالغفران والمحبة. كان «البابا شنودة» مثل جميع بابوات الكنيسة المصرية، رجلا وطنيًّا يعشق تراب مصر وتحمّل الكثيرَ من أجل وحدة صفّها. امتلكَ ناصية اللغة؛ فكان شاعرًا، وفيلسوفًا. وامتلك ناصية الحكمة؛ فكان الأبَ المُعزّى لأبنائه في أوقات الإرهاب الطائفى والمحن. وامتلك ناصيةَ الحكمة والسياسة؛ فعرف دائمًا كيف يحوّلُ أحزان الأقباط إلى فيض من المحبة لإخوانهم المسلمين، وحتى للمسيئين منّا. وامتلك ناصية التقشّف والزهد، فاعتكف في الدير سنوات لا يبرحه، لكى يحيا للصلاة والتأمل. مردّدًا قولته الشهيرة: «‫لا أريد شيئًا من هذا العالم، لأن العالمَ أفقرُ من أن يعطينى أي شىء».

ترفّع دائمًا عن الصغارات والدنايا. فلم يغضب يومًا مما يُقال في حقّه من سخافات وبذاءات يُطلقها تافهون فارغو العقل فقيرو الروح. وكان يمنعُ شعبَه من الغضب لأبيهم الروحى ورمزهم الدينىّ. حتى حين كان الأمرُ ينفجرُ في إحراق كنيسة أو قتل مسيحيين كان يردد على مسامع شعبه قولته: «كلّه للخير، مسيرها تنتهى، ربنا موجود». ثم يُصلى للمسيئين طالبًا من الله ألا يُقيم عليهم خطاياهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون.

وكانت عِظته الأخيرة لأقباط مصر، بعد هجوم المتطرفين عليه في المقرّ البابوى، بعنوان: «اغفروا»!. كان نموذجًا حقيقيًا لرجل الدين الصالح الذي أحبَّ اللهَ فأحب جميع خلق الله، حتى الخطائين منهم. وكان يدعو المظلومين أن يرفعوا أنظارهم نحو السماء التي فيها العدل والرحمة والعزاء عمّا يلاقى المظلومُ على الأرض من ظلم الإنسان.

من أجمل صنائعه أن «زرع مصرَ في جميع دول العالم»، عن طريق بناء كنائسَ مصرية للمصريين في المهجر؛ لكيلا تذوبَ هُويتُهم المصريةُ القبطية في هويّات مهاجرهم التي يعيشون فيها. فكأنما بهذا يمدُّ خيوطَ المواطَنة بين أبنائه وبين وطنهم مصر، فلا يبرحونها مهما طالت تلك الخيوط وتشعّبت وتشتتت في أرجاء الأرض. وكانت دراسته العميقة لتاريخ مصر الفرعونىّ والقبطىّ والإسلامىّ، والتاريخ الحديث، سببًا في عشقه لمصر الخالدة، فكان يحثُّ أبناءه على دراسة التاريخ قائلًا إن المعرفة والإيمان والعلم لا تكتمل بغير الخبرة. والخبرةُ لا تتكوّن من تجارب الإنسان وحسب، بل عبر الاستفادة من تجارب الآخرين. وهو ما يحدث بتأمل التاريخ بما يحمل من خبرات السالفين، مردّدًا البيت الشعرى: «مَن وعى التاريخَ في صدره/ أضافَ أعمارًا إلى عمره». منع شعبَه من زيارة القدس المحتلّة قائلا: «لن ندخل القدسَ إلا مع إخواننا المسلمين بعد تحريرها». بعد محنة طائفية دموية استهدفت أقباط مصر، نادى بعضُ المغرضين بتدويل قضية الأقباط، فقال البابا شنودة: «إن كانت أمريكا ستحمى كنائس مصرَ، فليَمُت الأقباطُ وتحيا مصر». ورحل البابا قبل أن يشهد لحظة مشرقة نعيشها اليوم تحمى فيها مصرُ كنائسها، وتضرب بيد من حديد على يد كل متطرف آثم يروم شقَّ صف شعب قوى متين لا تُفصم عُراه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصرُ تحتفلُ بمئوية «البابا الذهبى» مصرُ تحتفلُ بمئوية «البابا الذهبى»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon