بقلم - فاطمة ناعوت
يحدثُ أن تُنجب فتاةٌ دون أن يمسَّها رجلٌ، ويثبتُ العلمُ بالأشعة المقطعية أن جسد الفتاة يجمع ما بين المبيض والخصية معًا نتيجة اندماج اثنين من الزيجوتات حينما كانت تلك الفتاة جنينًا في بطن أمها، فخرجت للحياة طفلة أنثى مكتملة البناء، بينما تحمل في جسدها عنصرًا ذكوريا خفيا بوسعه أن يتلاقح ذاتيا وينتج هذا الحمل النادر، فتكون تلك الفتاةُ أمَّ الجنين وأباه في الوقت نفسه! وبعد إجراء اختبار DNA يتبين بالفعل أن أنسجة الجنين تحمل الحامض النووى للأم فقط! تُسمى هذه الظاهرة النادرة «الكيميرا البشرية» Chimeras وفيها يمتص الجنينُ توأمَه، إن حدث ومات أحدُ الأجنة التوائم في وقت مبكر من الحمل، فقد يمتص الجنين الآخر بعض خلايا توأمه بصفاتها، بالإضافة إلى خلاياه الطبيعية. ويعود اختيار الاسم إلى الإغريق حيث كائن «الكيميرا» الشهير في الأساطير اليونانية القديمة، المكوّن من ثلاثة حيوانات، رأس أسد وجسم شاة وذيل أفعى. ورصدت الإحصاءات 14 حالة «كيميرا» مدونة في الدوريات العلمية على مستوى العالم.
«الكيميرا» عنوان أحدث مؤلفات الدكتور «حسام بدراوى»، المفكر والإصلاحى والطبيب الشهير، صادر عن «المؤسسة العربية الحديثة». واختار أن يطرح أفكاره في هذا الكتاب بأسلوب السرد القصصى البسيط. وبهذا الكتاب نكتشف في د. بدراوى رافدًا فنيًّا جديدًا إلى جوار الفن التشكيلى والشعر والعمل المدنى في مجال التنوير وتطوير التعليم.
الكتاب مكوّن من ١١ حكاية سردية تحمل عناوين جذابة منها حكاية «اندماج ثقافات» حيث يقعُ البطلُ في غرام واحدة من نتاجات الثقافة الفرنسية بكامل حلاوتها وشقاوتها وأناقتها. ويطول تغزّلُ الحبيب في معشوقته التي راحت تُغريه بالاقتراب. وحينما يهمُّ بها وتوشك القُبلة الأولى، نكتشف، نحن القراء، أن المحبوبة الفرنسية ليست إلا…. سأتوقف هنا لكيلا أفسدَ عليكم المفاجأة. وفى حكاية «المنصورى وسقراط»، تحدث صاعقة تضرب زمنين ومكانين معًا: اللحظة الراهنة/ القرن الرابع قبل الميلاد، ومصر/ أثينا، ما يجعل الفيلسوفَ يسافر زمنيًّا إلى اللحظة الراهنة ويدخل إحدى محاضرات الفلسفة ويستمع إلى أفكار الجيل الجديد من الشباب حول المعرفة والأخلاق والسياسة والمجتمع المدنى ومفهوم الدولة ومكانة المرأة وغيرها من الأفكار. في حكاية «بى ودرويش» يحكى المؤلف عن قصة حب نشأت بين شاب من ريف مصر وفتاة فلبينية التقاها في إحدى الدول العربية وانتقلا إلى مصر، وكيف تعرضت الزوجة وطفلتها لجميع صنوف القهر والإذلال من بعض المستغلين من ذوى القلوب القاسية. وخاضت المرأةُ تلك المعارك وحيدة دون سند إلا إصرارها على النجاة بطفلتها وبعض شرفاء المصريين الذين ساعدوها على العودة إلى وطنها. وفى حكاية «النوم سلطان» يداعبُ النومُ عيونَ البطل، وحين يقع في المنطقة الخدِرة بين اليقظة والنوم، يصادفُ جِنيّة حسناء ويخوض معها حوارًا رومانتيكيا فلسفيًّا حول مفهوم «النوم»، من الوجهتين: اللغوية والعلمية. فتحكى له الجِنيّةُ عن أحوال النوم كما قسّمتها اللغةُ، ويحكى لها العالمُ الناعسُ عن مستويات النوم كما صنّفها العلمُ، وفى أي مستوى تحدث الأحلامُ، التي تُعتبر منصّات درامية ذاتية لا مثيل لها. وفى حكاية «لحظة رهبة» تسقطُ الطائرةُ بالبطل في فجوة هوائية استغرقت من الزمان ثوانى قليلة، لكنها مرّت كما الدهر على مَن خَبرها، ما جعل البطلَ يدخل في حال تأمل ليستعرض رسائلَ الله لنا وطرائق التواصل معه والحديث في حضرته. «الصلاة» هي تواصل مع الله وصلة متبادلة بين الخالق والمخلوق. والله تعالى قد سمح لنا بالحديث إليه في كل وقت مثلما يتحدث هو إلينا طوال الوقت عبر رسائله التي تصلُ إلى ضمائرنا وأحاسيسنا. وفى حكاية «شلة المعاش» يلتقى مجموعة من كبار الحكماء للحديث حول حرب فلسطين مع المحتل الصهيونى البغيض. ننصتُ إلى آراء مختلفة حول تلك الحرب وعلام سوف تنتهى، لكنهم يُجمعون على ضرورة التمييز بين حماس كفصيل مسلح وبين الشعب الفلسطينى كمالك أصيل للأرض وصاحب حق في وطن حر آمن ذى سيادة. وفى حكاية «انتظار المعجزة» نسبح مع عقل د. علوانى، العلمى الصارم الذي لا يؤمن بالغيبيات، أثناء مشاهدته فيلما في الطائرة حول أمٍّ مكلومة تبكى ابنها الذي مات إكلينيكيًّا، وحين شقَّ صوت نحيبها ودعائها لله آفاق القرية، راح أبناءُ القرية يدعون معها حتى استجاب اللهُ دعاءهم وأعاد الغريقَ للحياة. راح د. علوانى يفكر في فيزياء الكمّ وفى أن للأفكار طاقةً ولكل فكرة طولٌ موجى وتردد من شأنها لو تكاثفت أن تغير في المادة والأحداث كما أخبرنا «قانونُ الجذب» في كتاب «السر» للأسترالية «روندا بايرن»، وأن هذا لا يتعارض مع الدين حيث يقول تعالى: «ونحن أقربُ إليه من حبل الوريد». وغيرها من الحكايا الملهمة في هذا الكتاب الشيق، الذي أشكرُ عليه الدكتور «حسام بدراوى»، المفكر الفنان.