توقيت القاهرة المحلي 08:25:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مسرح «صبحى».. يبحثُ عن «العائلة»

  مصر اليوم -

مسرح «صبحى» يبحثُ عن «العائلة»

بقلم - فاطمة ناعوت

أسرة مصرية من الطبقة البرجوازية المتوسطة، في بدايات القرن الماضى، يجدُ أفرادها متعتهم بين صفحات الكتب القيمة المتراصة في المكتبة الأرابيسك، وفى أسطوانات الجراموفون الذي يخبئ في قدسه حناجرَ مصريةً فاتنة، وعلى نغمات البيانو تعزف عليه سيدةُ الأسرة وبناتُها، كعادة الأسر المصرية في ذلك العصر الذهبى. نتلصص على هذه الأسرة في لحظة مفصلية من تاريخ مصر، يوم وفاة الزعيم «سعد زغلول» في أغسطس ١٩٢٧، ثم نراقب الجيل الثانى والثالث والرابع والخامس لتلك الأسرة، وصولًا إلى سلسالها بعد مرور مائتى عام حين نصل إلى عام ٢١٢٧، وقد اختفت جميعُ القيم الجميلة التي تمتعت بها الأسرة في نسختها الأولى قبل قرنين. راحت العادات الطيبة تتلاشى شيئًا فشيئًا مع مرور الزمن ومع تغوّل التكنولوجيا التي بدلًا من أن تخدمَ الإنسانَ، كما ينبغى لها، أساء الإنسانُ استخدامها وصار خادمًا لها فمزقّت أوصالَ ترابطه مع أشقائه في الإنسانية، وحوّلت دفء الأسرة إلى صقيع قاسٍ؛ حتى صار الإنسانُ في القرن الثانى والعشرين يعيش في صناديق منعزلة وكأنها القبور، بعدما تحول هو ذاته إلى آلةٍ لا حياة فيها.

كعادته في كل عرض جديد يقدّمه لنا، يحرصُ الفنان الكبير «محمد صبحى» على تقديم الكوميديا بعدما تمرُّ على العقل فتضربه في منطقة الوعى، وتخزُ القلبَ بشوكة التأمل والوجع. تلك هي الخلطة السحرية التي يتميز بها مسرح صبحى. تضحكُ وعصفورُ القلب يغرد وجعًا. ولا عجب في هذا، فطائر مالك الحزين لا يطلق أجمل تغاريده، إلا نازفًا برصاص الرامى.

مسرحية «عيلة اتعمل لها بلوك» التي يقدّمها «محمد صبحى» الآن على «مسرح مدينة سنبل» في موسمها الجديد، والتى بدأ عرضها في ديسمبر ٢٠٢٢، مازالت ترفعُ لافتة «كامل العدد» في جميع العروض. تبدأ أحداثُ المسرحية مع الاحتلال الإنجليزى، وتنتهى بعد قرنين من الزمان مع احتلال الحياة الافتراضية التي مزّقت نسيجنا الإنسانى. تحمل جميع أعمال صبحى مذاقها الخاص وتجمع ما لا يجتمع: الضحك الفارس + الوجع الناجم من تأمل تشوهاتنا على صفحة مرآة ميدوزا التي تفضح عيوبنا أمام عيوننا علّنا نحاولُ إصلاحها، ونستعيد شيئًا من جمالنا الغابر الذي قتلناه بأيدينا ولصالح عدو توقف عن قتلنا بالرصاص والقنابل، حينما وجد طرائقَ أسهل وأرخص للاغتيال. أن نقتل أنفسَنا بأنفسنا حين نقتل القيم والأخلاق والدفء الأسرى والتضامَّ والتراحم الذي أوصانا اللهُ به في جميع رسالاته. شاهدنا العرض المسرحى الفاتن غارقين في الضحك، وقلوبنا تنعى خصالنا الحلوة التي عملنا لها «بلوك»، مع مرور الزمن. يقدّم صبحى في العرض خمس شخصيات مختلفة، لكل شخصية طباعها وتكوينها النفسى والشكلى المختلف. تشاركه البطولة الفنانة «وفاء صادق» وعدد من أعضاء فرقة «استوديو الممثل»، منهم: كمال عطية، مصطفى يوسف، محمد يوسف، محمد سعيد، رحاب حسين، داليا حسن، منة طارق، ليلى فوزى، محمود أبوهيبة، محمد شوقى طنطاوى، أنجيليكا أيمن، مايكل وليم، لمياء عرابى، حلمى جلال الدين، داليا نبيل، محمد عبدالمعطى، وليد هانى والطفلان عبدالرحمن محمود، ومريم شريف. واستعان صبحى بسينوغرافيا المسرح لعرض مشاهد حيّة من تاريخ مصر في لحظات تاريخية مثل يوم وفاة الزعيم «سعد زغلول»، وجنازة الزعيم «جمال عبدالناصر»، واستشهاد الرئيس «محمد أنور السادات»، مع ديكور موحٍ من تصميم «محمد الغرباوى»، وأغانٍ جميلة كتبها الشاعر «عبدالله حسن»، من موسيقى وألحان «شريف حمدان».

المايسترو «محمد صبحى»، كما يطيبُ لى أن أطلق عليه، كونه أستاذ وأسطى المسرح المصرى والعربى المعاصر، صاحبُ مسرح «رسالىّ ورسولىّ»، فالكوميديا دون «رسالة» حقيقية تغدو عرضًا هزليًّا وظيفته إضحاكُ الناس وإلهاؤهم عن القضايا التي تضرب خِصر المجتمع. والكوميديان إن لم يكن «رسولًا» يحملُ رسالةً جادّة، يغدو مجرد مهرّج يُخدِّرُ الناس بالنكات والقفشات لينسوا همومهم ومشاكلهم، بدل أن يواجهوها ويعالجوها. علّمنا المسرحُ القومى العظيم أن المسرح مُعلّمٌ لا يقلّ أثرًا عن المدرسة والجامعة. المسرحُ الحقيقى مدرسةٌ خطيرة نتعلم عليها ما فاتنا أن نتعلمه على مقاعد المدارس. والمسرحُ الكوميدى الرسولى «صعبٌ طويلٌ سُلّمُه»، لا يرتقيه إلا مَن يعلمه. ذاك أن المعادلة الصعبة هي الإضحاك مع إعمال العقل من أجل تشخيص المشكلات ثم وضع خطة لعلاجها بالعقل والعمل. هذا ما تعلّمناه من مسرح المايسترو «محمد صبحى»، على مدى تاريخه الطويل المحترم، منذ قدّم «هاملت» على مسرح الجامعة، مرورًا بتجربته الثمينة الثرية مع الراحل العظيم «لينين الرملى»، ثم في مرحلة إحيائه تراثنا المسرحى الجميل في تجربة «سكة السلامة»، و«لعبة الست»، وكذلك في العرض الساحر «كارمن»، الذي قدّم خلاله «أوبرا كارمن» بتوليفة مصرية غير ما قدّم «بيزيه». ومازلتُ أنتظرُ وعده لى بتقديم مسرحية «ملك سيام»، التي انشغل عنها طويلًا. والحقّ أن الحديث عن مسرح صبحى يحتاج إلى ألف مقال.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسرح «صبحى» يبحثُ عن «العائلة» مسرح «صبحى» يبحثُ عن «العائلة»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon