بقلم - فاطمة ناعوت
الجمعة، ١٨ رمضان، عام ١٤٣٤ هجرية، الذى وافق بالميلادى ٢٦ يوليو عام ٢٠١٣، هو يومُ إرادة الشعب المصرى، الذى احتشد فى ميادين مصرَ وشوارعها لمطالبة جيشنا العظيم بالتدخّل الحاسم لحماية هُويتنا المصرية ومجابهة حِمم الغِلِّ الإخوانى البغيض، الذى انفجر فى وجوهنا كما بركانٍ مسموم، بعدما أسقطنا الإخوان عن عرش الجميلة المحروسة. كنتُ أقفُ على المنصّة أمام قصر الاتحادية أتحدث إلى الناس بملء قلبى الخائف على مصر من الشرر الإرهابى، وإذا بالشيخ «محمد رفعت» يرفعُ أذان المغرب بصوب نازل من السماء كما قَطرِ الندى العذب يبلِّلُ الأرضَ العطشى وينسربُ داخل أرواحنا مثل إكسير حياةٍ لملهوف. جلستُ على الأرض وقد هدّنى التعبُ والظمأ فى قيظ يوليو.
وإذا بيدٍ تمتدُّ إلىَّ بثمرة تمرٍ وقنينة ماء. رفعتُ عينى إلى وجه الفتاة المليحة التى قدّمت لى ما أكسرُ به صيامى، وشكرتُها بابتسامة، ثم نزلت عيناى إلى يدها لألتقط التمرة من كفّها، فإذا بصليبٍ أزرقَ مرسوم على رُسغها!. هنا أدركتُ لماذا نحن شعبٌ عصىٌّ على التمزيق والشتات وشقّ الصفّ. هى مصرُ الغنيّةُ بشعبها الذى لا يعرفُ إلا الحبَّ ولا يسمحُ ببذور الشقاق أن تنبتَ على أرضه، مهما حاول المُبغضون غرسَها. يومها استوثقتُ أن شعبنا الطيبَ الذكىَّ يعرفُ كيف يحفظُ عهدَ الله؛ لنظلَّ فى رباطٍ إلى يوم الدين.
لم أذُقْ فى حياتى تمرةً أشهى من تلك، مازالت حلاوتُها فى مذاقى وفى قلبى. وليس أشهى من أقراص الكعك تخبزُها الجاراتُ المصريات معًا، مسلماتٌ ومسيحيات، فى ليالى رمضان استعدادًا لعيد الفطر، وفى عشيات قدّاسات عيدَى الميلاد والقيامة، فإذا ما عادت الصَّبيّاتُ عند العصر من الأفران يحملن فوق رؤوسهن صاجات الكعك، تبدأ النسوةُ فى رشّ السُّكر المطحون على أقراص الكعك المتوهّج بنار الفرن ودفء المحبة فى قلوبهن. وإذا ما أشرقتْ صباحاتُ العيد، طافتِ الصحونُ بين أبواب الدُّور محمّلةً بالكعك والبسكويت والحُبّ. أقراصُ الكعك لا تعرفُ التمييز بين هلال وصليب وإنجيل ومصحف، فالكلُّ يذوبُ فى فيوض المودّة والوطن، مثلما تذوب فتاتُ الكعك على الألسن الطيبة التى لا تعرفُ إلا كلماتِ السلام.
وليس أشهى من حبّات القلقاس البيضاء، تسبحُ فى النهرِ الأخضر يمورُ به صحنٌ تقدّمه لى يدٌ مصريةٌ قبطية، فى «عيد الغطاس المجيد» الذى حلّ أمس الأول. هذا بابُ بيتى يُطرَق. أفتحُ لأجد سيدةً جميلة من قرائى، صارت مع الوقت صديقةً وشقيقةً، تحملُ لى قدرًا من القلقاس الشهى فى ليلة الغطاس!. الصعيدية الجميلة «سميرة صبحى ملك»، فى ليلة عيدها، تقفُ فى مطبخها ساعاتٍ لتطهو لى ولأسرتى قدرًا من القلقاس الشهى لأنها تُدرك حبى له!، ثم تتركُ أسرتَها فى عشية العيد، وتمضى ساعاتٍ أخرى فى الطريق الطويل من بيتها إلى بيتى لتقدمه لى مع باقة من الزهر الأحمر!. تلك هى سيمفونية المحبة، التى لا تسقطُ أبدًا، والتى ترفعُ الجبالَ وتحمى الأوطان وتدفئُ القلوب.
عيدُ الغطاس، الذى يزورنا يوم ١١ من شهر «طوبة» الصقيعى، يتزامنُ هذا العام مع «اليوم العالمى للثلج»، الذى يحلُّ فى الأحد الثالث من شهر يناير كل عام، كما أقرّته الفيدرالية العالمية للتزلّج على الجليد FIS عام ١٩١٠، من أجل تعزيز رياضات الثلج وتشجيع الناس على الاستمتاع بفصل الشتاء، والتناغم مع الطبيعة فى أقصى وأقسى مستويات برودتها وبُعدها عن الشمس. وتلبيةً لدعوة كريمة من «سكى مصر» Ski-Egypt، ذهبتُ مع ابنى الجميل «عمر» لقضاء يوم مدهش فى التزلج على الجليد واللعب بكرات الثلج مع البطاريق والدلافين، ضمن فعاليات يوم الثلج العالمى، الذى تشارك فيه سكى- مصر على مدى ثلاثة أيام. وعدا الشخصيات العامة، دعت محاربات السرطان فى مستشفى «بهية»، وأطفال «مستشفى الناس»، والرعاة الخيريون لحملة «مانحى الأمل العالمية»، وجمعيات عديدة من رعاة ذوى الهمم، من أجل منحهم يومًا مشرقًا فى حديقة الثلج الهائلة، التى تقع على أكثر من ٧٠٠٠ متر مربع داخل مول مصر. ومن أجل هذا التفوق فى غرس رياضة الصقيع على أرض إفريقية حارة، ومن أجل اهتمامها بنشر البهجة فى قلوب المرضى، استحقت Ski-Egypt أن تفوز بجائزة «أفضل يوم للثلج عالميًّا» العام الماضى ٢٠٢٣، وهى شهادةٌ توثّق التزام المنشأة المصرية الواعدة بتدشين رياضة جديدة على مجتمعنا وتعزيز مشاركة المجتمع بجميع فئاته لممارسة رياضة تُدخل السرور على القلوب الكسيرة.
خلال يومين متعاقبين: السبت والأحد، ذاقَ لسانى خضرةَ القلقاس الشهىّ من يد «سميرة»، وذاقت عيناى بياضَ الثلج النقىّ من يد سكى- مصر، ليتعزّز فى قلبى أجملُ لونين على دائرة ألوان نيوتن. «الأخضرُ» رمزُ السلام والمودة، و«الأبيض» رمزُ النقاء ونظافة القلب واللسان. كل عام ونحن شعبٌ أخضرُ القلب أبيضُ الروح.