صادفتنى هذه الحكاية الجميلة على صفحة فيس بوك دون توقيع أو توثيق. وسواءً كانت حقيقةً أم من نسج خيال كاتبها، أحببتُ أن أقصَّها عليكم لما فيها من عظمة وإلهام لشباب اليوم. وأكتبها لكم كما وردت بالدارجة المصرية الجميلة، مع بعض الصياغة والاختصار لطولها، الذى لا يحتمله المقال.
ذهبتُ إلى بيت فتاة أحلامى لأخطبها، فسألنى والدها عن والدىّ، ولماذا لم يأتيا معى، فأخبرته بأنهما فى رحمة الله. «ربنا يرحمهم. طيب ماعندكش إخوات؟» «عندى أخويا (إسلام) أكبر منى.
لو حصل نصيب يا عمى ووافقتم مبدئيًّا، المرة الجايه بإذن الله نيجى سوا». «طيب يا أستاذ أحمد، انت بتقول إنك معيد فى كلية الهندسة، وميكانيكى. قصدك بتدرّس فى الجامعة هندسة ميكانيكا؟»، «لا يا عمى، أنا ميكانيكى فى ورشة عربيات. أنا و(إسلام) أخويا ورثنا ورشة ميكانيكا من أبونا الله يرحمه، وشغالين فيها سوا من وأنا عندى ٧ سنين.
وهافضل شغال فيها إلى جوار عملى الأكاديمى فى الجامعة». تغيرت ملامحُ والد العروس وسألنى: «ومش بتتكسف يا بنى لو طالب من طُلابك جه يصلح سيارته عندك؟» «لا. مش باتكسف!» «طيب عندك شقة؟» «أيوه يا عمى الحمد لله البيت بتاعنا شقتين، والعروسة تختار اللى تعجبها». «أكيد وارثين الشقق من الحاج الله يرحمه». «لا يا عمى، والدى ووالدتى ماتوا الله يرحمهم فى حادثة من ٢٠ سنة.
والشقتين دول جبناهم قُريب مِن تعبنا. (إسلام) كان عنده ١٣ سنة، وأنا ٧ سنين لما أبويا وأمى توفوا. يومها إسلام أخدنى فى حضنه، وقالى: دلوقت مالناش غير ربنا. والصنعة اللى علمهالنا أبونا عشان مانمدش إيدنا لحد. وفتحنا الورشة.
فى الأول الناس كانت بتجيلنا من باب العطف علشان عيال أيتام. بس شُغل الأسطى إسلام عمل لنا صيت فى كل مكان، وبدأت الورشة تكبر وزباينها تكتر وجبنا صنايعية كمان. ومع الوقت اشترى أخويا حتة أرض وبنى شقتين واحدة باسمى وواحدة باسمه. إسلام أصرّ إنى أكمل تعليمى وضحى علشانى بتعليمه. كان طول السنين دى بيشتغل فى الورشة ويرجع البيت يعمل أكل ويغسل هدومى، لحد ما أكرمنى ربنا وجبت ٩٧٪ فى ثانوية عامة، ودخلت كلية هندسة. ومن فرحته يومها أخدنى ورحنا سددنا ديون ٥ غارمات وخرجناهم من السجن.
دخلت الكلية ورجعت تانى الورشة. بس قبل الامتحانات بشهر ونص، كان أخويا يطردنى علشان أذاكر. وكنت باتفوق كل سنة عشان أشوف نظرة الرضا والفخر فى عيون أخويا إسلام لغاية ما بقيت معيد. وعمرى ما هنسى فضله عليا». «الله! شوقتنى يابنى أشوف أخوك العظيم ده. هاستناكم الخميس الجاى بإذن الله». «اتفقنا يا عمى».
وجاء يوم الخميس وأمام باب العروس قال لى إسلام: «عِشت وشوفتك عريس يا باشمهندس. مش مكسوف منى يا واد؟» «أنا أتباهى بجزمتك قدام الخلق كُلها». ومسكت إيد إسلام بوستها. فُتح الباب ودخلنا، وقال لنا والد العروس بدهشة: «أومال الأسطى إسلام ماجاش معاكم ليه زى ما اتفقنا؟!» تلاقت عيوننا وابتسمنا وقال إسلام: «أهلا يا عمى. أنا الأسطى إسلام». انتفض الرجل فى ذهول وقال: «الأسطى إسلام الأسطورى ده، طلع بنت مش ولد؟ القمر اللى قاعد قدامى ده أسطى فى ورشة؟!»، قالت إسلام ضاحكة: «أيوا يا عمى.
أنا لابسة فستان دلوقت، بس فى الورشة لو شوفتنى بالأوفرول، هاتقول إنى بـ١٠٠ راجل. والحقيقة يا عمى أنا اللى قولت لأحمد يقولك كده عشان لو اترفض، مفيش داعى ندخل فى تفاصيل زى دى». «وضحيتى بعُمرك اللى فات كُله علشان أخوكى؟» «وأضحى عشانه بالباقى من عمرى كمان. إحنا كدا يا عمى وقت الصعاب بنكون رجالة. بس بينى وبين أخويا بأكون أخته وأمه. ماكنش ينفع أتعامِل بشخصية بنت فى ورشة، وإلا كنت هابقى لقمة سهلة. فى الورشة أنا الأسطى إسلام الراجل، مش البنت اللى لابسة فستان وجايه تطلب إيد بنتك لأخوها».
ترقرقت الدموع فى عيون الرجل قائلا: «أنا موافق يا بنتى. وبادى أخوكى أغلى حاجة فى حياتى وكُلى شرف إنكم تكونوا جزء من أسرتنا». نظرت لى «إسلام» والفرح يملأ عينيها الجميلتين وقالت: «مبروك يا باشمهندس». قلتُ لها: «تعرفى إنك بالفستان أجمل بنت فى الدنيا؟» قالت إسلام: «حد يقول للأسطى بتاعه كدا؟! خصم أسبوع من مُرتبك علشان بتعاكسنى».
■ ■ ■
تحية للأسطى إسلام وشقيقها، ولوالد العروس المستنير، ولكل من يشبههم فى هذا العالم الذى لا يقوم إلا بالرائعين فيه، من أمثالهم.