بقلم - فاطمة ناعوت
«الشيخ زايد». كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى كتاب مصر، تمثلان لدى كل مصرى جملةً مفيدة حاشدة بالمعنى والتاريخ المضىء. يكفى أن نذكرَ عبارةَ: «… بن زايد» مُلحقةً باسم عَلَمٍ إنسان، لنُدركَ على الفور حجمَ القيم الإنسانية والوطنية الرفيعة التى تربّى عليها ذلك الإنسان. فجميعُ من اقترب من «الشيخ زايد»، رحمه الله، نهلَ من روحه الطيبة المفطورة على العطاء والتحضّر، فكيف بأبنائه الذين اغتنوا بتعليمه الشخصى، وأثروا بإرث الصفات الموروثة!.
نباركُ للشعب الإماراتى الشقيق انتخابَه سمو الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان» رئيسًا لدولة الإمارات العربية المتحدة، خلفًا لشقيقه المغفور له سمو الشيخ «خليفة بن زايد»، الذى رحل عن عالمنا قبل أيام إلى رحاب الله.
أعلنت مصرُ الحدادَ أيامًا ثلاثة، وسافر الرئيسُ «عبدالفتاح السيسى» إلى الإمارات، لا لتقديم واجبِ العزاء وحسب، بل لتقبُّل العزاء مع أشقائه أبناء زايد فى رحيل الفقيد الكبير الشيخ «خليفة بن زايد». فنحن المصريين تربطنا بأبناء زايد وشائجُ حب عميق وقُربى، تمتد إلى عقود قديمة مع ميلاد الاتحاد الإماراتى عام ١٩٧١ على يد القائد العربى الاستثنائى الشيخ «زايد آل نهيان»، رحمه الله تعالى وأحسن مُقامه فى عليّين، لقاء ما قدّم لوطنه الشقيق وللعروبة ولمصر الطيبة وللإنسانية بشكل عام. تجلّت محبةُ الشيخ زايد وأبنائه لمصرَ فى كل محكٍّ خاضته مصرُ فى السلم والحرب، فى العسر واليسر. فى حربنا مع إسرائيل عام ١٩٧٣ كان للشيخ زايد وأبنائه مواقفُ تاريخيةٌ لا تُنسى. وفى حربنا مع الاحتلال الإخوانى المقيت وجميع ما مررنا به من إرهاب ومحاولات خؤون لتدمير مصر، وحتى لحظتنا المشرقة مع «الجمهورية الجديدة»، كان لأبناء زايد مواقفُ راقيةٌ لا تُنسى. والحقُّ أن جميع أبناء زايد قد ساروا على النهج الحضارى الإنسانى الرفيع الذى رسم معالمَه والدُهم الكريم، فأكملوا مشوار التشييد الحضارى والاستثمار فى الإنسان على ذلك النحو المدهش الذى نلمسه فى دولة الإمارات العربية الشقيقة، قيادةً وشعبًا، حتى صارتِ الإماراتُ خلال عقود قليلة أحد أعظم وأرقى دول العالم وأكثرها تحضرًا وإنسانية وتسامحًا، بفضل حكامٍ وقادة أتقنوا «صناعة الحضارة وبناء الإنسان». لهذا أحبهم شعبُهم، واحترمهم العالمُ بأسره، وصاروا نموذجًا يحذوه كلُّ قائدٍ يقرر الارتقاء بشعبه ووطنه.
تعلّم أبناءُ زايد من أبيهم أن بناء منظومة الوطن يبدأ من المعايشة اليومية للناس والوقوف على همومهم ومشاكلهم وأحلامهم، ثم ترجمة تلك الأحلام إلى قرارات تنموية تعلو بالوطن وتشدُّ عودَ «الإنسان»، الذى يراه الحاكمُ الإماراتى دائمًا «أثمنَ الكنوز» التى يُستثمرُ فيها. لهذا كانت «سعادةُ ورفاه» المواطن الإماراتى والوافدين من أولويات القيادة الإماراتية، صِنوًا وصَونًا للنهج الحضارى الطيب الذى أسّسه الشيخ زايد، وسار على دربه أبناؤه قادةُ الإمارات جميعُهم. فالشاهدُ أن الإمارات العربية قد أسّستْ دعائمَ نهضتها منذ اتحادها دولةً واحدة عام ١٩٧١، على رعاية «الإنسان» عقلا وجسدًا، بالنهوض بالتعليم والبحث العلمى والصحة والإسكان والرعاية الاجتماعية وتأمين المستقبل وتشييد الحضارة العصرية من أجل تحقيق السعادة لكل من يمر على/ أو يقطن فى تلك الأرض الطيبة. فجميعُ أبناء زايد، كلٌّ فى موقعه من السلطة، مشهودٌ لهم بالعطاء الإنسانى والخلق الطيب والتواضع والتباسط مع المواطنين والوافدين، مثلما هو مشهودٌ لهم بحسن التخطيط والقيادة العصرية والتفكير خارج الصندوق والحسم فى مواجهة التطرف والعنصرية، حتى صار المواطن الإماراتى نموذجًا عالميًّا للتسامح وحسن الخلق.
من القاهرة، نقدم خالص العزاء والمواساة القلبية للشعب الإماراتى الشقيق فى رحيل «الشيخ خليفة بن زايد» الذى لا ننسى له وقوفه معنا على جبهتنا المصرية فى حرب أكتوبر ٧٣، ونبارك لهم عهدهم الجديد مع «الشيخ محمد بن زايد»، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، ونرجو لهم مزيدًا من التحضر والرغد. فنحن فى مصرَ نعرفُ قيمة أبناء زايد ونقدّر مواقفهم الكريمة تجاه مصر، والعروبة، وتجاه الإنسانية بوجه عام، بالقدر الذى يضيقُ عن ذكره مقالٌ ومقالاتٌ، مثلما ضاق عن حصره كتابى الذى خططتُه على مدى شهور ثمانية أقمتُها فى دولة الإمارات العربية المتحدة عام ٢٠١٦، وصدر فى العام التالى عن «دار روافد» المصرية بعنوان: «إنهم يصنعون الحياة- بناءُ الإنسان فى الإمارات».
وتشرّف الكتابُ بتصدير راقٍ بقلم سمو الشيخ «عبدالله بن زايد آل نهيان»، وزير الخارجية فى دولة الإمارات العربية.
اللهم أحسنْ مُقامَ «الشيخ خليفة بن زايد» فى فردوسك الأعلى وأحسنْ عزاء أشقائه وأبنائه وشعبه، وبارك مسيرتهم الحضارية الطيبة القادمة تحت قيادة سمو الشيخ «محمد بن زايد» حفظه الله.