توقيت القاهرة المحلي 10:37:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

استمروا فى العزف

  مصر اليوم -

استمروا فى العزف

بقلم - فاطمة ناعوت

فى رواية «دون كازمورو» للبرازيلى «ماشادو دى أسيس»، نقرأ ما يلى: «سيدى، قالت دودةٌ طويلة سمينة، نحن لا نفهمُ شيئًا على الإطلاق من النصوص التى نقضم أوراقها، كما أننا لا نختارُ النصوصَ التى نقضمُها، كما أننا لا نحبُّ أو نكره ما نقضمُ. نحن نقضمُ وحسب». ربما هذا هو أدقُّ وصف لكثيرٍ من الأمور التى تحدث كل لحظة من لحظات حياتنا دون أن نفهم كُنهها. فنحن نتنفسُ طوالَ الوقت، دون أن نفهم ماذا يحدث للهواء الذى يدخل أنوفنا ويخرج منها بعد لحظة على غير ما دخل!، ماذا صنع داخل أجسادنا خلال تلك الثوانى؟، كيف دخل رئتينا ثم تسلّل إلى شرايينا واخترق رحلة الدم الدؤوبة من المخ إلى القدمين صعدوا وهبوطًا دون توقف إلا مع لحظة النهاية؟!. هل نعلم كيف يخفقُ القلبُ دون كلل حتى ونحن نيامٌ ولا يكفُّ عن الخفق إلا ليقول: سلامًا أيها العالم؟!. تلك عبقرية الخالق فى خلقه، ودليلٌ على أن المعرفة ليست شرطًا لحدوث عظائم الأمور. ومنها الحب، ذلك اللغز المدهش.

يقول «بول إيلوار» فى إحدى قصائده واصفًا حبيبتَه: «إنها تقفُ على جفونى/ شَعرُها فى شَعرى/ لها لونُ عينى/ جسدُها يداى/ تغمرُها ظلالى/ مثل حجرٍ فى مواجهة السماء/ لا تُغمضُ عينيها/ ولا تتركنى أنامُ/ أحلامُها فى وهج النهار/ تجعلُ الشموسَ تتبخرُ/ وتجعلنى أنا/ أضحكُ/ أبكى وأضحكُ/ تجعلنى أتكلّمُ/ حين لا يكون هناك ما يُقال».، ويشدو «صباح فخرى» من الفولكلور وموسيقاه: «عيشةٌ لا حبَّ فيها، جدولٌ لا ماءَ فيه!». أما طاغور فقال: «الفنُّ مثلَ الحبِّ، كلاهما لا يُفسّر».

هذا اللغزُ الأعظم (الحبّ)، ما خطبُه؟، ما حكايته؟، كيف يحدث؟، ومتى؟، ولمَ؟، وعلامَ يتمُّ الاختيار، إن كان ثمة اختيار؟، هل الحبُّ بالفعل أعمى كما قال «شكسبير» فى مسرحية «تاجر البندقية» على لسان «جيسيكا» التى ارتدت ملابس ولد لكى تلتقى حبيبها «لورنزو»: «أنا هنا/ أمسكْ هذه القبعة/ كم أنا سعيدةٌ إنه الليل/ وإنكَ لا ترانى/ فأنا أشعرُ بالخجل من التحوّل الذى اعترانى/ لكنَّ الحبَّ أعمى/ والعشاقَ عميان/ ليس بوسعهم أن يشاهدوا تلك الحماقاتِ التى يرتكبونها هم أنفسُهم!/ لأن المحبين لو كانوا يرون/ لخجل كيوبيد نفسُه/ حين يرانى وقد تحوّلت إلى ولد!». وفى مسرحية «حلم منتصف ليلة صيف» يقول على لسان أحد أبطاله: «الحبُّ الحقيقىّ، لا يمكن أن تجرى أمورُه فى سلاسة».

هل حقا ما يقوله شكسبير؟، هل الحبُّ اليسيرُ السهلُ الذى «لا غبار عليه» هو حبٌّ زائفٌ عابرٌ غيرُ حقيقى؟. ألابد أن يكون الحبُّ عسيرًا موجعًا لكى يبرهنَ على حقيقيته؟، ربما معه حق. الحبُّ الناعمُ اليسرُ الرَّخْص هو شىء يشبه الموات. مثله مثل القصيدة السهلة التى تُكتب فى لحظة، وتُقرأ فى لحظة، وتُنسى وتموت فى لحظة. الحبُّ يجب أن يكون: «غُبارٌ عليه» وليس كما يُقال: «لا غبار عليه». الحبُّ الحقيقىُّ شائكٌ. مشتعلٌ. مُضنٍ. عسرٌ. قاسٍ. شرسٌ. مُعذِّبٌ ومُعذَّب. وإلا ماذا سيكتبُ الشعراءُ وعمَّ يكتبون؟، وعلام يتعذب الصَّبُّ حين تفضحه عيونُه؟، وفيم ينتحرُ المنتحرون؟، عسرًا يكون الحبُّ؛ وإلا ما وصلنا خبرٌ عن: روميو جولييت، وجميلُ بثينة، وقيسُ ليلى؛ وما كنا قرأنا عذابه إذ يقول: «أُحِبُّـكِ يَا لَيلَـى مَحَبَّـةَ عَاشِـقٍ/ عَلَيهِ جِميـعُ المُصْعَبَـاتِ تَهـونُ/ أُحِبُّـكِ حُـبًّا لَوْ تُحِبِّيـنَ مِثلَـهُ/ أَصَابَكِ مِنْ وَجْـدٍ عَلَـىَّ جُنُـونُ/ أَلاَ فَارْحَمِى صَـبًّا كَئِيبـًا مُعَذَّبـًا/ حَرِيقُ الحَشَا مُضْنَى الفؤادِ حَزِيـنُ». ولا ما حكاه «جميلُ بثينة» الماكر عن جهاده الخاص: «يقولون: جاهدْ يا جميلُ بغزوةٍ/ وأىُّ جهادٍ غيرهن أريدُ!/ لكلِّ حديثٍ عندهن بشاشةٌ/ وكلُّ قتيلٍ عندهنَّ شهيد». ثم هذا ما شدتْ به «صوتُ مصرَ» الساحر «أم كلثوم» من كلمات الأمير «عبد الله الفيصل»: «يا فاتنًا لولاه ما هزَّنى وجدٌ/ ولا طعمُ الهوى طابَ لى/ هذا فؤادى فامتلكْ أمرَهُ/ فاظلمْه إنْ أحببتَ، أو فاعدلِ».

لكن كل ما سبق لم يجب بعد عن السؤال: ما هو الحبُّ؟. فى «أنت عمرى»، أحد الأفلام المصرية المعاصرة، يقول البطلُ للبطلة بعدما أخبرته أنها تحبُّ البحرَ جدًّا: «تعرفى البحر؟»، قالت: «أيوا وبحبه أوى!»، قال لها: «كلام فارغ، جلوسك قدام البحر لساعات وتأملك جمال موجه لا يعنى معرفتك به، لازم تغوصى فيه وتشوفى كل عوالمه اللانهائية قبل ما تقولى إنك تعرفيه. كمان الحب، كل الناس والأغانى تتكلم عن الحب كل يوم، لكن كم واحد بالفعل غاص فيه وعرفه؟»، فتطرق البطلةُ، ولا ترد.

وحتى أُنهى كلماتى بشىء عذب، أعودُ إلى «شكسبير» فى مسرحية «الليلة الثانية عشرة» حيث يقول دوق «أورزينو»: «إذا كانت الموسيقى غذاءَ الحبِّ، فاستمروا فى العزف. أتخمونى بها حتى تبلغَ أقصاها فتتضاءل الشهوةُ وتفنى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استمروا فى العزف استمروا فى العزف



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon